التفاسير

< >
عرض

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
١٣٣
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فارسلنا عليهم } -روى- ان القوم لما عالجهم موسى بالآيات الاربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدا قال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الارض وبغى وعتا وان قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم عبرة فارسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم { الطوفان } اى الماء الذى طاف بهم واحاط وغشى اماكنهم وحرثهم من مطر او سيل { والجراد } فى التفسير الفارسى [ملخ برنده].
وفى حياة الحيوان الجراد البرى اذا خرج من بيضته يقال له الدباء فاذا بدت فيه الالوان واصفرت الذكور واسودت الاناث يسمى جرادا حينئذ وفى الحديث
"لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الاعظم"
. وهذا ان صح اراد به اذا لم يتعرض لافساد الزرع فان تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره و "وقعت بين يدى النبى عليه السلام جرادة فاذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الاكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا وما فيها فقال النبى عليه السلام اللهم اهلك الجراد اقتل كبارها وامت صغارها افسد بيضها وسد افواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء فجاء جبرائيل عليه السلام فقال انه قد استجيب لك فى بعضه" .
وعن حسن بن على كنا على مائدة نأكل انا واخى محمد بن الحنفية وبنوا عمى عبد الله وقثم الفضل بنى العباس فوقعت جرادة على المائدة فاخذها عبد الله وقال لى مكتوب عليها انا الله لا اله انا رب الجراد ورازقها وان شئت بعثتها رزقا لقوم وان شئت بعثتها بلاء على قوم فقال عبد الله هذا من العلم المكنون وليس فى الحيوان اكثر فسادا لما يقتاته الانسان من الجراد.
واجمع المسلمون على اباح اكله قال الاربعة يحل اكله سواء مات حتف انفه او بذكاة او باصطياد مجوسى او مسلم قطع منه شيء اولا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام
"احلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد"
. واذا تبخر انسان بالجراد البرى نفعه من عسر البول.
وقال ابن سينا اذا اخذنا منها اثنا عشر ونزعت رؤسها واطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه. واما الجراد البحرى فهو من انواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرا مشويا ومطبوخا ولحمها نافع للجذام { والقمل } فى التفسير الفارسى [ملخ بياده] وقيل هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركى "كنه" مسلط على البعير وفى الامثال اسمع من قراد وذلك انه يسمع صوت اخفاف الابل من مسيرة يوم فيتحرك وقيل هو السوس الذى يخرج من الحنطة وقيل انه شيء يقع فى الزرع وليس بجراد فيأكل السنبلة وهى غضة قبل ان تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذى يقع فى بدن الانسان وثوبه واذا القيت القملة حية اورثت النسيان.
قال الجاحظ وفى الحديث
"اكل الحامض وسؤر الفار ونبذ القمل يورث النسيان"
. واذا اردت ان تعلم هل المرأة حامل بذكر او انثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها فى كف انسان فان خرجت من اللبن فهى جارية وان لم تخرج فهو ذكر وان حبس على انسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها فى احليله فانه يبول من وقته والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ اذا اصاب ثوبا او ريشا او شعرا حتى يصير المكان عفنا.
قال الجاحظ وربما كان للانسان قمل الطباع وان تنظف وتعطر وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حيث استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى لباس الحرير فاذن لهما فيه ولولا انهما كانا فى حد ضرورة لما اذن فى ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لانه لا يقمل بالخاصية.
قال فى انوار المشارق والاصح ان الرخصة لا تختص بالسفر انتهى.
وفى الواقعات المحمودية ان القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر فى الشتاء ولا يكون فى الصيف.
قال السيوطى ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا اذاه القمل { والضفادع } جمع ضفدع مثل خنصر وهو الاشهر الصحيح من حيث اللغة والانثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم وانكره الخليل حيث قال ليس فى الكلام فعلل الا اربعة احرف درهم وهجدم وهبلع وبلعم وهواسم والضفادع انواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذى من سفاد يبيض فى البر ويعيش فى الماء والذى من غير سفاد يتولد فى المياه القائمة الضعيفة الجرى ومن العفونات وغب الامطار الغزيرة حتى يظن انه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الاسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وانثى وانما الله تعالى يخلقه فى تلك الساعة من طباع تلك التربة وهى من الحيوانات التى لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها ما لا ينق والذى منها يخرج صوته من قرب اذنه وتوصف بحده السمع اذا تركت النقيق وكانت خارج الماء واذا ارادت ان لا تنق ادخلت فكها الاسفل فى الماء ومتى دخل الماء فى فيها لا تنق وما اظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب فى كلامه

قالت الضفدع قولا فسرته الحكماء
فى فمى ماء وهل ينطق من فى فيه ماء

قال سفيان يقال انه ليس شيء اكثر ذكر الله منه.
قال الزمخشرى تقول فى نقيقها سبحان الملك القدوس -روى- ان داود عليه السلام قال لا سبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه احد من خلقه فنادته ضفدع من ساقيه فى داره يا داود أتفخر على الله تعالى بتسبيحك وان لى لسبعين سنة ما جف لى لسان من ذكر الله وان لى لعشر ليال ما طعمت خضراء ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين قال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال داود فى نفسه وما عسى ان اكون ابلغ من هذا وعن انس لا تقتلوا الضفادع فانها مرت بنار ابراهيم عليه السلام فحملت فى افواهها الماء وكانت ترشه على النار.
وقال ابن سينا اذا كثرت الضفادع فى سنة وزادت على العادة يقع الوباء عقيبه.
وفى الواقعات المحمودية تعبير الضفدع انه نقصان خفى فانه يذكر انه كان فى الاصل كيالا فلاجل نقصانه فى الكيل ادخل فيه. ومن خواصه انه اذا اخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته الى الماء فانها لا تحبل ودمه اذا طلى به الموضع الذى نتف شعره ولم ينبت ابدا وشحم الضفادع الاجامية اذا وضع على الاسنان قلعها من غير وجع.
قال القزوينى ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب فى بستان بنى مجلسا وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن ابطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتا على وجه الماء مقلوبا ففعلوا فلم يسمعوا الها نقيقا بعد ذلك { والدم } - روى - انهم مطروا ثمانية ايام فى ظلمة شديدة لا يستطيع ان يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه الى تراقيهم وهى جمع ترقوة وهى العظم الذى بين ثغرة النحر والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه قطرة مع انها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض الماء على ارضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة ايام فقالوا له عليه السلام ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلاء ما لم يعهد مثله فقالوا هذا ما كنا نتمناه وما كان هذا الماء الا نعمة علينا وخصبا فلا والله لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد واقاموا على كفرهم شهرا فبعث الله عليهم الجراد بحيث وقع على الارض بعضه على بعض ذراعا فاكل زروعهم وثمارهم وابوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بنى اسرائيل منه شيء ففزعوا اليه عليه السلام كما ذكر فخرج الى الصحراء واشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الى النواحى التى جاء منها بعد ان اقام فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فاذا فى بعض المواضع من نواحى مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكفينا بقية عامنا هذا فلا والله لا نؤمن بك فسلط الله عليهم القمل فمكث فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق لهم عودا اخضر ولحس جميع ما فى اراضيهم مما ابقاه الجراد وكان يقع فى اطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم واشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدرى.
قال الحدادى فى تفسيره هم اول من عذبوا بالجدرى وبقى فى الناس الى الان ثم فزعوا اليه عليه السلام ثالثا فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الان انك ساحر قالوا وما عسى ربك ان يفعل بنا وقد اهلك كل شيء من نبات ارضنا فعلى اى شيء نؤمن بك اذهب فما استطعت ان تفعل فافعله ثم ارسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام الا وجدت فيه وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب الى قدورهم وهى تغلى والى افواههم عند التكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع وكانوا اذا قتلوا واحدا منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا اليه رابعا وتضرعوا فاخذ عليهم العهود فدعا فكشف الله عنهم بريح عظيمة نبذتها فى البحر فنقضوا العهد فارسل الله عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وانهارها دما احمر عبيطا حتى كان يجتمع القبطى والاسرائيلى على اناء فيكون ما يليه دما وما يلى الاسرائيلى ماء على حاله ويمص الماء من فم الاسرائيلى فيصير دما فيه

قوم موسى شو بخور اين آب را صلح كن بامه ببين مهتاب را

ثم ان فرعون اجهده العطش وكانوا يأتونه باوراق الاشجار الرطبة فيمصها فتصير دما عبيطا او اجاجا وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة ايام الا الدم فقال فرعون اقسم بالهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم الى ان كان من امر الغرق ما كان { آيات مفصلات } حال من مفعول ارسلنا اى ارسلنا عليهم هذه الاشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل انها آيات الله ونقمته وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بان فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان احوالهم هل يعتبرون او يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها اسبوعا { فاستكبروا } اى تعظموا عن الايمان بها { كانوا قوما مجرمين } [كروهى مجرم يعنى معانددر كفركه باوجود تظاهر آيات وتتابع آن ايمان نياوردند].