التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولما رجع موسى } من جبل الطور { الى قومه } حال كونه { غضبان اسفا } اى شديد الغضب يقال آسفنى فاسفت اى اغضبنى فغضبت ومنه قوله تعالى { { فلما آسفونا انتقمنا منهم } [الزخرف: 54].
وهو يدل على انه عليه السلام كان عالما باتخاذهم العجل آلها قبل مجيئه اليهم بسبب انه تعالى اخبره فى حال المكالمة بما كان من قومه من عبادة العجل { قال بئسما خلفتمونى من بعدى } اى ساء ما عملتم خلفى ايها العبدة بعد غيبتى وانطلاقى الى الجبل لانه يقال خلفه بما يكره اذا عمل خلفه ذلك. وما نكره موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم { أعجلتم امر ربكم } الهمزة للانكار اى اتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق والا فعجل يتعدى بعن يقال عجل عن الامر اذا تركه غير تام ونفيضه تم عليه. والمعنى أعجلتم عن امر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما اوصاكم به الى ان يجيء. فالامر واحد الاوامر او انه بمعنى المأمور به. والعجلة العمل بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة فانها غير مذمومة لكونها عبارة عن العمل بالشيء فى اول وقته.
وفى التأويلات النجمية استعجلتم يا صفات الروح بالرجوع الى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل اوانه من غير ان يأمر به ربكم وفيه اشارة الى ان ارباب الطلب واصحاب السلوك لا ينبغى ان يلتفتوا الى شيء من الدنيا ولا يتعلقوا بها فى اثناء الطلب والسلوك لئلا ينقطعوا عن الحق اللهم الا اذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا الى كعبة وصال المولى فلهم ان يرجعوا الى الدنيا لدعوة الخلق الى المولى وتسليكهم فى طريق الدنيا والعقبى { والقى الالواح } التى كانت فيها التوراة من يده { واخذ برأس اخيه } اى بشعر رأس هارون حال كونه اى موسى { يجرهُ اليه } [بطرف خود كشيد اورا بطريق معاتبه نه ازروى اهانت] توهما انه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان احب الى بنى اسرائيل { قال } اى هارون مخاطبا لموسى { ابن ام } بحذف حرف النداء واصله يا ابن اما حذفت الالف المبدلة من الياء اكتفاء بالفتحة زيادة فى التخفيف لطوله باشتماله على اضافة بعد اضافة وكان هارون اخاه لاب وام ولكنه ذكر الام ليرفقه عليه اى يحمله على الرفق والشفقة وعلى هذا طريق العرب { ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى } ازاحة لتوهم التقصير فى حقه. والمعنى بذلت وسعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفونى وقاربوا قتلى { فلا تشمت بى الاعداء } اى فلا تفعل بى ما يكون سببا لشماتتهم بى وبالفارسى [بس شادمان مكردان بمن دشمنانرا وجنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من] يقال شمت به يشمت شماتة من باب علم يعلم اذا فرح ببلية اصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [شادى كردن بمكر وهى كه دشمن رارسد] ويعدى بالباء. والاشمات [شاد كام كردن دشمن] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو اشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الاعداء { ولا تجعلنى مع القوم الظالمين } اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير.
والاشارة ان هارون القلب اخ موسى الروح والاعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا ةهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات اقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.