التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فلما نسوا ما ذكروا به } اى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسى للشيء واعرضوا عنه اعراضا كليا بحيث لم يخطر ببالهم شيء من تلك المواعظ اصلا فيكون من ذكر المسبب وارادة السبب { انجينا الذين ينهون عن السوء } اى خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران.
قال ابن عباس رضى الله عنهما نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحل.
وقال الحسن نجت فرقتان وهلكت فرقة وانكر القول الذى ذكره عن ابن عباس وقال ما هلك الا فرقة لانه ليس شيء ابلغ فى الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد فقالت لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا وقول الحسن اقرب الى ظاهر الآية كذا فى تفسير الحدادى { واخذنا الذين ظلموا } بالاعتداء ومخالفة الامر { بعذاب بئيس } اى شديد وزنا ومعنى { بما كانوا يفسقون } متعلق باخذنا كالباء الاولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى اى اخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذى هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان ايضا ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى { فلما عتوا عن ما نهوا عنه } اى تمردوا وتكبروا وابوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف اذ التكبر والاباء من نفس المنهى عنه لا يذم فهو كقوله تعالى
{ { فعتوا عن أمر ربهم } [الذاريات: 44].
اى عن امتثال امر ربهم والعاتى هو شديد الدخول فى الفساد المتمرد الذى لا يقبل الموعظة { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } صاغرين اذلاء بعداء عن الناس. فى القاموس خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد. والقردة جمع قرد بالفارسى [بوزينه] والانثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الامر التكوينى لا القولى التكليفى لانهم لا يقدرون على قلب انفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا امر مأمور حقيقة وانما هو تعلق قدرة وارادة بمسخهم نعوذ بالله تعالى - روى - ان اليهود امروا باليوم الذى امرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت وهو المعنى بقوله تعالى
{ { إنما جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فيه } [النحل: 124].
فابتلوا به وحرم عليهم الصيد وامروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كأنها المخاض والكباش البيض السمان تنتطح لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الايام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثم جائهم ابليس فقال لهم انما نهيتم عن اخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان اليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج وياخذونها يوم الاحد واخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه حيطا الى خشبة فى الساحل ثم شواه يوم الاحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع على تنوره فقال له انى ارى الله سيعذبك فلما لم ير عذاب اخذ فى السبت القابل حوتين فلما رأوا ان العذاب لا يعاجلهم استمروا على ذلك فصادوا واكلوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا من سبعين الفا فكان اهل القرية اثلاثا. ثلث استمروا على النهى. وثلث ملوا التذكير وشموه وقالوا للواعظين لم تعظون الخ. وثلث باشروا الخطيئة فلم ينتهوا قال المسلمون نحن لا نساكنكم فباعوا الدور والمساكن وخرجوا من القرية فضربوا الخيام خارجا منها او اقتسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فاصبح الناهون ذات يوم فخرجوا من ابوابهم وانتشروا لمصالحهم ولم يخرج من المعتدين احد فقالوا لعل الخمر غلبتهم او ان لهم شأنا من خسف او مسخ او رمى بالحجارة فعلوا الجدر فنظروا فاذا هم قردة او صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة انسابهم من الانس وهم لا يعرفونها فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه فيبكى ويقول له نسيبه ألم ننهكم فيقول القرد برأسه بلى ودموعهم تسيل على خدودهم ثم ماتوا عن مكث ثلاثة ايام كما قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يعش ممسوخ قط اكثر من ثلاثة ايام وعليه الجمهور. واما قوله عليه السلام
"فقدت امة من بنى اسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا اراها الا الفأر الا ترونها اذا وضع لها البان الابل لم تشربها واذا وضع لها البان غيرها شربتها"
. "وما روى ان النبى عليه السلام اتى بضب فابى ان يأكله وقال لا ادرى لعله من القرون التى مسخت"
. فالجواب عنهما ان ذلك كان قبل ان يوحى اليه ان الله لم يجعل لممسوخ نسلا فلما اوحى اليه زال عنه ذلك المتخوف وعلم ان الضب والفأر ليسا مما مسخ فعند ذلك "اخبرنا بقوله صلى الله عايه وسلم لمن ساله عن القردة والخنازير أهى مما مسخ الله فقال ان الله لم يهلك قوما او يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان القردة والخنازير كانوا قبل ذلك وثبت النصوص باكل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكره"
. كذا فى حياة الحيوان.
وعن مجاهد انما مسخت قلوبهم فقط وردت افهامهم كافهام القردة وهذا قول تفرد به جميع المسلمين.
يقول الفقير مسخ القلب مشترك بين عصاة جميع الامم وعادة الله تعالى فى النبوة الاولى تعجيل عقوبة الدنيا على اقبح وجه وافظعه لا عقوبة ادهى من تبديل الصورة الحسنة الانسانية الى صورة اخس الحيوانات وهى صورة القردة والخنازير القبيحة نعم مسخ القلب والمعنى سبب لمسخ القالب والصورة نعوذ بالله.
وعن الحسن وايم الله ما حوت اخذه قوم فأكلوه اعظم عند الله من قتل رجل مسلم ولكن الله جعل ذلك موعدا والساعة ادهى وامر.
"قال انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل هل فى امتك خسف قال نعم قيل ومتى ذلك يا رسول الله قال اذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم" .
والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيوانى على شاطئ بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاث اصناف. منها صنف روحانى كصفات الروح. وصنف قلبى كصفات القلب. وصنف نفسانى كصفات النفس والامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعى البشرية فى سبت محارم الله. فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية. وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية.
قال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة يوم طور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القرية والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى
{ { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد } [الحشر: 18].
انتهى وتتوفر الدواعى البشرية فيما حرم الله باغراء الشيطان وتزيينه لان الانسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم الله فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فانه من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات. ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات: وفى المثنوى

نفس توتامست وتازه است وقديد دانكه روحت حاسه غيبى نديد
كه علاماتست زان ديدار نور التجافى منك عن دار الغرور
واى آنكه عقل او ماده بود نفس زشتش نرو آماده بود
لا جرم مغلوب باشد عقل او جزسوى خسران نباشد نقل او
وصف حيوانى بود بر زن فزون زانكه سوى رنك وبودارد ركون