التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨٧
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ يسألونك عن الساعة } اى عن القيامة وهى من الاسماء الغالبة فيها كالنجم فىالثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة او لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن او لانها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعات عند الخلق واصلها ساعة قيام الناس من الاجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة - روى - ان قوما من اليهود قالوا يا محمد اخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت { ايان مرسيها } ايان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى اثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه اذا اثبته واقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى { { والجبال أرساها } [النازعات: 32].
ولما كان اثقل الاشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن ايان مرسيها { قل انما علمها } لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الاصلى من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك اضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها { عند ربى } خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا { لا يجليها } اى لا يظهر امرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلى ظهوره { لوقتها } اى قى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله
{ { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [الإسراء: 78].
{ الا هو } والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره اخفاء مستمرا الى قوت وقوعها لا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذى وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالاخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذى هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الاوقات فانه لو علم وقت قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها واخروها. وكذلك اخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف فى العبادة فى ليالى الشهر كلها واخفى ساعة الاجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجدا فى الدعاء فى جميع ساعاته { ثقلت فى السموات والارض } اى كبرت وشقت على اهلها من الملائكة والثقلين كل منهم اهمه خفاؤها وخروجها عن دائرة العقول.
وقيل عظمت على اهلها خوفا من شدائدها وما فيها من الاهوال ومن جملة اهوالها فناء من فى السموات والارض وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب { لا تأتيكم الا بغتة } الا فجأة على غفلة فتقوم والرجل يسقى ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يقوم سلعته فى سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يهوى لقمة فى فمه فما يدرك ان يضعها فى فمه { يسألونك كأنك حفى عنها } اى عالم بها من حفى عن الشيء اذا بالغ فى السؤال عنه ومن استقصى فى تعلم الشيء وبالغ فى السؤال عنه لزمه ان يستحكم علمه به ويعلمه باقصى ما يمكن ويكون ماهرا فى العلم فلذلك كنى بقوله تعالى { كانك حفى عنها } عن كونه عليه السلام عالما باقصى ما يمكن والتعدية بعن مع كونه بمعنى العالم وهو يتعدى بالباء لكونه متضمنا لمعنى بليغ فى السؤال عنها حتى احكمت علمها والجملة التشبيهية فى محل النصب على انها حال من الكاف اى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها اى مبالغ فى العلم بها { قل انما علمها عند الله } الفائدة فى اعادته رد المعلومات كلها الى الله تعالى فيكون التكرار على وجه التأكيد والتمهيد للتعريض بجهلهم بقوله { ولكن اكثر الناس لا يعلمون } اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا وبعضهم يعلمون انها واقعة البتة ويزعمون انك واقف على وقت وقوعها فيسألونك جهلا وبعضهم يدعون ان العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنها ذريعة الى القدح فى رسالتك.