التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٣
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ والى ثمود } اى ارسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم ابيهم الاكبر ثمود بن عاد بن ارم ابن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بني الحجاز والشام الى وادى القرى وثمود فى كتاب الله مصروف وغير مصروف قال الله تعالى { ألا ان ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود } [هود: 68].
فمن صرفه جعله اسما للحى ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة { اخاهم } من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم { صالحا } عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر ابن ثمود { قال } استئناف { يا قوم } بحذف ياء المتكلم { اعبدوا الله } وحده { ما لكم من اله غيره } فيه اشارة الى ان الله تعالى وان غاير بين الرسل من حيث الشرائع الا انه جمع بينهم فى التوحيد حيث سلك كل واحد منهم فى الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره ـ روى ـ انه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الارض وكثروا فى خصب وسعة فعتوا على الله وافسدوا فى الارض وعبدوا الاصنام فبعث الله اليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من اوسطهم نسبا فدعاهم الى الله تعالى حتى شمط وكبر فلم يتبعه الا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وانذرهم فسألوه آية تكون مصداقا لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا الى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو الهك وتدعو الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا اوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم الى سؤلهم ولم يظهر اثم الانجاح فافتضحوا ثم قال سيدهم جندع ابن عمرو واشار الى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاتبة اخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل فى الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختى جوفاء وبراء عشراء فان فعلت صدقناك واجبناك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الايمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب اوثانهم ورباب كاهنهم

بكى بنور عنايت ره هدايت يافت يكى بوادى خذلان بماند سر كردان
بكى بوسوسه ديورفت سوى سقر يكى زبيروى حق كرفت مالك جنان

فمكثت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة قال لهم صالح { قد جاءتكم بينة } اى آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتى { من ربكم } متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لبينة.
قال المولى ابو السعود وليس هذا الكلام منه عليه السلام اول ما خاطبهم اثر دعوتهم الى التوحيد بل انما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى الى ما فى سورة هود من قوله تعالى
{ { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } [هود: 61].
الى آخر الآيات { هذه ناقة الله لكم آية } استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة الله انبهكم عليها او اشير اليها فى حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتى واضافة الناقة الى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله او لمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسائط معتادة يعنى كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وانثى ولم تكن فى صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعى ولكم بيان لمن هى آية له وخصوا بذلك لانهم هم الذين طلبوها وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان { فذروها } تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها { تأكل فى ارض الله } جواب الامر اى الناقة ناقة الله والارض ارض الله فاتركوهها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل { ولا تمسوها بسوء } الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشئ مما يسوءها اصلا من قتل او ضرب او مكروه اكراما لآية الله تعالى والسوء اسم جامع لانواع الاذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ومرسانيد بوى هيج بدى] وفيه بمالغة حيث نهى عن المس الذى هو مقدمة الاصابة { فيأخذكم عذاب اليم } جواب للنهى.
قال فى التفسير الفارسى [استحقاق عذاب نه بواسطة ضرر ناقه است بكله باقامت ايشان بركفر بعد ا زشهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر].
والاشرة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفى وناقة الله التى تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض الله اى ترتع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة.