التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم } قال عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم انكر على نفسه ذلك فقال { فكيف آسى } اى احزن حزنا شديدا بالفارسية [بس جه كونه اندوه خورم وغمناك شوم] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن { على قوم كافرين } مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت فى الابلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والاشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم: وفى المثنوى

جون شوم غمكين كه غم شدسر نكون غم شما بوديد اى قوم حرون
كثر مخوان اى راست خواننده ببين كيف آسى خلف قوم ظالمين

قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من اقراركم وانكاركم شيء ان احسنتم فالميراث الجميل لكم وان اسأتم فالضرر بالتألم عائد عليكم ومالك الاعيان اولى بها من الاعيان فالخلق خلقه والملك ملكه ان شاء هداهم وان شاء اغواهم فكيف آسى على قوم كافرين فلا تأسف على نفى وفقد ولا اثر من كون ووجود لان الكل صادر من حكيم بالغ فى حكمته كامل فى قدرته انتهى قال الله تعالى { { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } [الحديد: 23].
وهذا انما يحصل عند الفناء الكلى وهو للانبياء عليهم السلام وكمل الاولياء.
واعلم ان كل اهل ابتلاء ليس بمحل للرحمة عند نظر الحقيقة لان الله تعالى ابتلاه بسبب جفائه اياه فقد اكتسبه بعلمه فكيف يترحم له ولذا كان اهل الحقيقة كالسيف الصارم مع كونهم رحم خلق الله تعالى ألا ترى الى قوله تعالى
{ { ولا تأخذكم بهما رأفة } [النور: 2].
قال السعدى قدس سره

كراشرع فنوى دهد بر هلاك ألا تاندارى زكشتنش باك

والله تعالى غيور وعبده فى غيرته فالحلم والغضب بقدر ما اذن فيه الشرع من اخلاق الانبياء وهو وهو لا يقدح فى فراغ القلب عن كل وصف لان رعاية الاحكام الظاهرة لا تنافى التوغل فى الحقيقة فعلى العاقل ان يدور بالامر اللهى ويرفع على لسانه وقلبه لم لا وكيف فان الامر بيد الله تعالى لا بيده.
قال ابراهيم بن ادهم لرجل أتحب ان تكون لله وليا قال نعم قال لا ترغب فى شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله واقبل بوجهك عليه ليقبل عليك ويواليك فعلم من هذا ان من كان اقباله الى نفسه والى هواها لا يجد الحق واقباله وموالاته فى كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى.