التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٤
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها النبى } المخبر عن الله تعالى المرتفع شأنه { حسبك الله } اى كافيك فى جميع امورك { ومن اتبعك من المؤمنين } الواو بمعنى مع اى كفاك وكفى اتباعك ناصرا كقولك حسبك وزيدا درهم او عطف على اسم الله تعالى اى كفاك الله والمؤمنون والكافى الحقيقى هو الله تعالى واسناد الكفاية الى المؤمنين لكونهم اسبابا ظاهرة لكفاية الله تعالى.
والآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضى الله عنهم فالمراد بالمؤمنين الانصار.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى اسلام عمر رضى الله عنه فتكون الاية مكية كتبت فى سورة مدنية بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم -روى- انه اسلم مع النبى عيه السلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضى الله عنه فكمل الله الاربعين باسلامه فنزلت وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول
"اللهم اعز الاسلام"
. وفى رواية "ايد الاسلام باحد الرجلين اما بابى جهل بن هشام واما بعمر بن الخطاب" وكان دعاؤه بذلك يوم الاربعاء فاسلم عمر رضى الله عنه يوم الخميس وكان وقتئذ ابن ست وعشرين سنة وسبقه حمزة بن عبد المطلب بالاسلام بثلاثة ايام او بثلاثة اشهر -روى- انه لما نزل قوله تعالى { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أَنتم لها واردون } [الأنبياء: 98].
قام ابو جهل بن هشام وكان يكنى فى الجاهلية بأبى الحكم لانهم يزعمون انه عالم ذو حكمة ثم كناه النبى عليه السلام بابى جهل وغلبت عليه كنيته وكان خال عمر لان ام عمر اخت ابى جهل لان ام عمر بنت هشام بن المغيرة والد ابى جهل فابو جهل خال عمر اولان ام عمر بنت عم ابى جهل وعصبة الام اخوال الابن فلما قام خطب فقال يا معشر قريش ان محمدا قد شتم آلهتكم وسفه احلامكم وزعم انكم وآباءكم وآلهتكم فى النار فهل من رجل يقتل محمدا وله على مائة ناقة حمراء وسوداء والف اوقية من فضة فقام عمر بن الخطاب وقال أتضمن ذلك يا أبا الحكم فقال نعم يا عمر فاخذ عمر بيد ابى جهل ودخلا الكعبة وكان عندها صنم عظيم يسمونه هبل فتحالفا عنده واشهدا على انفسهما هبل فانهم كانوا اذا ارادوا امرا من سفر او حرب او سلم او نكاح لم يفعلوا شيئاً حتى يستأمروا هبل ويشهدوه عليه وتلك الاصنام التى كانت حوله كانت الف صنم وخمسمائة صنم ثم خرج عمر متقلدا سيفه منتكبا كنانته اى واضعا لها فى منكبه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبى عليه السلام مختفيا مع المؤمنين فى دار الارقم رضى الله عنه تحت الصفا يعبدون الله تعالى فيها ويقرأون القرآن فلما أتى الى البيت الذى هم فيه قرع الباب فنظر اليه رجل من خلال الباب فرآه متوشحا سيفه فرجع الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا سيفه ولم يرد الا سفك الدم وهتك العرض فقال حمزة فائذن له فان جاء يريد بذلنا له وان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فاذن له فى الدخول فلما رآه النبى عليه السلام قال
"ما انت منتهى يا عمر حتى ينزل الله بك قارعة ثم اخذ بساعده او بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وانتهره فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس فقال اعرض علىّ الاسلام الذى تدعو اليه فقال النبى عليه السلام تشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة وضرب النبى عليه السلام صدر عمر بيده حين اسلم ثلاث مرات وهو يقول اللهم اخرج ما فى صدر عمر من غل وابد له ايمانا ونزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر اهل السماء باسلام عمر " ولما اسلم قال المشركون لقد انتصف القوم منا وقيل له رضى الله عنه ما تسميه النبى عليه السلام لك بالفاروق قال لما اسلمت والنبى عليه السلام واصحابه مختفون " قلت يا رسول الله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا قال بلى فقلت ففيم الاختفاء والذى بعثك بالحق ما بقى مجلس كنت اجلس فيه بالكفر الأ ظهرت فيه الاسلام غير هائب ولا خائف والله لا نعبد الله سرا بعد اليوم فخرج ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد ثم صاح مسمعا لقريش كل من تحرك منكم لامكنن سيفى منه ثم تقدم امام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف والمسلمون ثم صلوا حول الكعبة وقراوا القرآن جهرا كانوا قبل ذلك لا يقدرون على الصلاة عند الكعبة ولا يجهرون بالقرآن" فسماه النبى عليه السلام الفاروق لانه فرق الله به الحق والباطل. وجاء بسند حسن "ان اول من جهر بالاسلام عمر بن الخطاب"
. وكان عمر شديدا من حيث مظهريته للاسم الحق وجاء "ما ترك الحق لعمر من صديق"

لما لزمت النصح والتحقيقا لم يتركا لى فى الوجود صديقا

قال اسماعيل بن حماد بن ابى حنيفة كان لنا جار طحان رافضىّ ملعون وكان له بغلان سمى احدهما ابا بكر والآخر عمر فرمحه ذات ليلة احد البغلين فقتله فاخبر جدى ابو حنيفة فقال انظروا فانى اخال ان البغل الذى اسمه عمر هو الذى رمحه فنظروا فكان كما قال.
"واستأذن عمر رضى الله عنه فى العمرة فاذن عليه السلام وقال يا اخى لا تنسنا من دعائك قال ما احب ان لى بقوله يا اخى ما طلعت عليه الشمس" وجاء "اول من يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب واول من يسلم عليه"
. وجاء "لو كان بعدى نبى لكان عمر بن الخطاب" وجاء "ان الله تعالى ايدنى باربعة وزراء اثنين من اهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من اهل الارض ابى بكر وعمر رضى الله عنهما"
. فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما فى الامور كلها وفيهما نزل { { وشاورهم فى الامر } } [آل عمران: 159].
وجاء
"انه كان فيما مضى قبلكم من الامم محدثون"
. المحدث بفتح الدال المشددة هو الذى يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدث الملا الاعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الاولياء "فانه ان كان فى امتى هذه فهو عمر بن الخطاب"
. لم يرد النبى عليه السلام بقوله ان كان فى امتى التردد فى ذلك فان امته افضل الامم فاذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل اراد به التأكد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يرد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الاصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر

له فضائل لا تخفى على احد الا على احد لا يعرف القمرا

وجاء "انه يا ابن الخطاب والذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك" والفج طريق واسع. وفيه دليل على علة درحة عمر رضى الله عنه حيث لا يقدر الشيطان ان يسلك طريقا فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور ان يجرى منه مجرى الدم كما يجرى فى سائر الخلق. وفيه تنبيه على صلابته فى الدين واستمرار حاله على الحق المحض. وكان نقش خاتم ابى بكر نعم القادر الله وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظا يا عمر. وكان نقش خاتم عثمان آمنت بالله مخلصا. وكان نقش خاتم على رضى الله عنه الملك لله. وكان نقش خاتم ابى عبيدة بن الجراح الحمد لله هذا هو النقش الظاهر المضاف الى البدن واما نقش الوجود فنفسه فقد قيل

كرت صورت حا بد يانكوشت نكاريده دست تقدير اوست

وقيل

نقش مستورى ومستى نه بد بدست من وتست آنجه سلطان ازل كفت بكن آد كردم

نسأل اله تعالى ان يحفظ نقش ايماننا فى لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب واجعلنا من اهل الايقان الذين قلت فيهم { { أولئك كتب فى قلوبهم الايمان } [المجادلة: 22].
فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو من جلالك وان تطاول الزمان وامتد عمر الانسان