التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٠٧
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين اتخذوا مسجدا } اى ومن المتخلفين عن غزوة تبوك المنافقون الذين اتخذوا مسجد قبا وهو بضم القاف ويذكر ويقصر قرية قرب المدينة على نصف فرسخ منهما كما فى التبيان.
اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة وقدم قبا نزل فى بنى عمرو ابن عوف وهم بطن من الاوس على كلثوم بن الهدم وكان شيخ بنى عمرو بن عوف وهل كان اسلم قبل وصوله صلى الله عليه وسلم الى قبا او بعده ففيه اختلاف فلما نزل وذلك فى يوم يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول.
قال عمار بن ياسر رضى الله عنه ما لرسول الله بد من ان يجعل له مكان يستظل به اذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فاسس رسول الله مسجدا واستتم بنيانه عمار فعمار اول من بنى مسجدا لعموم المسلمين وكان مسجد قبا اول مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه جماعة ظاهرين اى آمنين وبعد تحوله عليه السلام الى المدينة وذلك فى يوم الجمعة بعد ان لبث فى قبا بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس او بضع عشرة ليلة وهو المنقول عن البخارى او اربعة عشر يوما وهو المنقول عن مسلم كان يأتيه يوم السبت ماشيا وراكبا ويصلى فيه ثم ينصرف وفى الحديث
"من توضأ واسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قبا فصلى فيه له اجر عمرة"
. كما فى السيرة الحلبية فهذا المسجد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بمعاونة بنى عمرو بن عوف خالصا لله تعالى كما عليه الاكثرون وفى الحديث "من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا فى الجنة"
. قال القرطبى هذه المسألة ليست على ظاهرها من كل الوجوه وانما معناه بنى له بثوابه بناء اشرف واعظم وارفع لان اجور الاعمال متضاعفة وان الحسنة بعشر امثالها وهذا كما قال فى الثمرة انها تزاد حتى تكون مثل الجبل ولكن هذا التضعيف انما هو بحسب ما يقترن بالفعل من الاخلاص فان بنى على غير الاخلاص او على وجه غير مرضى فلا ثواب له ولا يعبأ الله به وان كان فى ظاهر الشرع له حكم المساجد من الاحترام والتعظيم وغير ذلك وكذا الربط والخوانق والقناطر والمطاهر وكل بناء فهو مشروط بذلك قاله فى شرح الالمام.
قال النووى يدخل فى هذا الحديث من عمر مسجدا قد استهدم واذا اشترك جماعة فى عمارة مسجد فهل يحصل لكل منهم بيت فى الجنة كما لو اعتقد جماعة عبدا مشتركا بينهم فانهم يعتقون من النار ويجوزون العقبة لقوله تعالى
{ { وما أدراك ما العقبة فك رقبة } [البلد: 12-13] وقد فسر النبى عليه السلام فك الرقبة بعتق البعض والقياس الحاق المساجد بالعتق لان فيه ترغيبا وحملا للناس على انشاء المساجد وعمارتها وهل يمكن الكافر من بناء المسجد فذهب بعضهم الى ان الصحيح جوازه لقوله عليه السلام "ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"
. كما فى تفسير البغوى
قال الواحدى عند قوله تعالى
{ { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } [التوبة: 17] دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته انتهى.
قال سعدى جلبى المفتى عدم قبول وصيته مجمع عليه بين اصحابنا الحنفية انتهى ولا يصير الكافر ببناء المسجد مسلما وان عظمه حتى ياتى بالشهادتين بخلاف المسلم اذا اتى كنيسة واعتقد تعظيمها فانه يكفر لان الكفر يحصل بمجرد النية والاسلام لا يحصل الا بالتلفظ بالشهادتين كما فى فتح القريب.
يقول الفقير سامحه الله القدير علم منه ان بعض القبط فى الديار الرومية ممن اظهر الاسلام رأيناهم يصلون ويصومون كصلاة المخلصين وصيامهم ثم انهم يدخلون كنائس النصارى فى مواسمهم فهم مرتدون بذلك ولا تصح الصلاة على موتاهم ان ماتوا على تلك الحالة لانه لا شك فى تعظيمهم الكنائس وموافقتهم النصارى فى افعالهم فى ايامهم ولياليهم المعهودة فلا نتوقف فى كفرهم واما تلفظهم بالشهادة فهو بحسب العادة ولا يغنى عنهم شيئا فى اعتقادهم وبعض المعاصرين من العلماء يتوقفون فى كفرهم جهلا العياذ بالله تعالى.
ثم نرجع ونقول ان بنى عمرو بن عوف لما بنوا ذلك المسجد حسدتهم اخوتهم بنو غنيم بن عوف وقالوا أنصلى فى مربط حمار لامرأة عمرو وذلك لانه كانت امرأته تربط فيه حمارها وقيل كان مكان مسجد قبا محلا يجفف فيه التمر لكلثوم بن هدم رضى الله عنهما فبنوا مسجدا آخر فى قبا على قصد الفساد وتفريق جماعة المؤمنين وان يؤمهم فيه ابو عامر الراهب اذا قدم من الشام.
وفى الحدادى انهم بنوه باذن النبى عليه السلام اقول هذا يخالف سوق القصة كما لا يخفى وبعيد ان يأذن رسول الله قبل اشارة الله فى ذلك. وقصة ابى عامر الراهب انه كان من اشراف قبيلة الخزرج تنصر فى الجاهلية وترهب ولبس المسوح وكان ماهرا فى علم التوراة والانجيل.
قال الكاشفى [وبيوسته نعت وصفت سيد عالم صلى الله عليه وسلم براهل مدينة مى خواند جون آن حضرت بمدينة هجرت كرد اهل ان خطه شيفته جمال وكمال وى شده واز صحبت ابو عامر برميدند وبرواى اونكردند]

باوجود لب جان بخش تواى آب حيات حيفم آيد سخن از جشمه حيوان كفتن

فحسده وعاداه لانه زالت به عليه السلام رياسته وقال له لا اجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك فلم يزل يتقاتل معه عليه السلام الى ان تقاتل معه يوم هوازن فلما انهزمت هوازن خرج الى الشام.
قال الكاشفى [بنزد هرقل كه ملك روم بود برفت ومىخواست ازروم لشكر ساز كرده بجنك مسلمانان آيد نامه نوشت بمنافقان جون ثعلبه بن حاطب وامثال اوكه شمادر مقابله مسجد قبادر محله خويش براى من مسجدى بسازيدكه جون من بمدينه آيم انجابافاده علم اشتغال نمايم ايشان مسجدى ساختند وحضرت رسالت بناه جون عازم تبوك شد بانيان مسجد آمده كفتند يا رسول الله ما براى ضعيفان وبيجاركان در وقت سرما وبارندكى مسجدى ساخته ايم والتماس داريمكه در آن مسجد نماركزارى وغرض ايشان آن بودكه بواسطة نماز آن حضرت صلى الله عليه وسلم مهم خودرا دراستحكام دهند حتانحه در مثنوى معنوى هست]

مسجد واصحاب مسجد را نواز تومهى ما شب دمى بامابساز
تاشود شب از جمالت همجوروز اى جمالت آفتاب جان فروز
اى دريغا كان سخن ازدل بدى تامراد آن نفر حاصل شدى

قال فى السيرة الحلبية كانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبى عليه السلام ويستهزئون به فقال النبى صلى الله عليه وسلم "انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا لاتيناكم فصليناكم فيه"
. فلما رجع من تبوك اتوه فسألوه اتيان مسجدهم فدعا عليه السلام بقميصه ليلبسه ويأتيهم فانزل الله هذه الآية فقال { والذين اتخذوا مسجدا } { ضرارا } مفعول له اى مضارة للمؤمنين.
قال الكاشفى [براى ضرر مؤمنان وستيزه ايشان] { وكفرا } وتقوية للكفر الذى يضمرونه { وتفريقا بين المؤمنين } الذين كانوا يجتمعون فى مسجد قبا فانهم ارادوا ببنائهم المسجد صرف بعض الجماعة اليه وتفريق كلمة المؤمنين { وارصادا } اى ترقبا وانتظارا { لمن حارب الله ورسوله من قبل } اى من قبل اتخاذ هذا المسجد وهو ابو عامر الراهب اى لاجله حتى يجيئ فيصلى فيه ويظهر على رسول الله وقد سبق حضوره فى الوقائع كلها فمن متعلق بحارب او باتخذوا مسجدا من قبل ان يظهر هؤلاء النفاق بالتخلف { وليحلفن } والله ليحلفن فهو جواب قسم مقدر.
قال الكاشفى [وهر آيينه سوكند ميخورند جون كسى كويد جرا اين مسجد ساختيد] { إن } نافية { أردنا } اى ما اردنا ببناء هذا المسجد { إلا الحسنى } الا الخصلى الحسنى وهى الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين { والله يشهد انهم لكاذبون } فى حلفهم ذلك ولما نزلت هذه الآية واعلمه الله بخبرهم وما هموا به
"دعا اى رسول الله الوحشى قاتل حمزة وجماعة معه فقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدوه واحرقوه فخرجوا سراعا واخذوا سعفا من النخل واشعلوا فيه النار وذلك بين المغرب والعشاء وهدموه الى الارض وامر النبى عليه السلام ان يتخذ كناسة يلقى فيها القمامة والجيف ثم بعد زمان اعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن ارقم يجعله بيتا فلم يولد فى ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان" ومات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا وذلك "انه عليه السلام لما قدم المدينة اقبل الله ابو عامر فقال ما هذا الذى جئت به قال جئت بالحنفية دين ابراهيم قال ابو عامر وانا عليها فقال عليه السلام انك لست عليها قال بلى ولكنك ادخلت فى الحنفية ما ليس فيها فقال عليه السلام ما فعلت ذلك ولكن جئت بها بيضاء نقية فقال ابو عامر امات الله الكاذب منا طريدا غريبا فقال عليه السلام آمين فسماه ابا عامر الفاسق" مكان الراهب فمات كافرا بقنسرين وهى بكسر القاف وتشديد النون المفتوحة او المكسورة اسم بلدة فى الشام ومع هذه الخباثة كان له ولد صالح يقال له ابو حنظلة استشهد يوم احد فغسلته الملائكة عليهم السلام: قال السعدى قدس سره

هنر بنماى اكر دارى نه كوهر كل ازخارست وابراهيم از آزر

وفى الآية اشارة الى ان اهل الطبيعة { اتخذوا } مزبلة النفس { مسجدا ضرارا } لارباب الحقيقة { وكفرا } باحوالهم كما انهم اتخذوا بستان القلب مسجدا يذكرون الله فيه ويطلبونه وهذا وصف مدعى الطلب الكذابين فى دعواهم المتشبهين بزى ارباب الصدق والطلب { وتفريقا بين المؤمنين } الطالبين الصادقين باظهار الدعوى من غير المعنى اى يفرقون بين الاخوان فى الله فى طلب انواع الحيل تارة بطلب صحبة معهم ومرافقتهم فى الاسفار وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم اهلها وارادتهم لهذه الطائفة ليزعجوهم عن خدمة المشايخ وصحبة الاخوان { وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل } ليوقعوهم فى بلاء صحبة الاباحية من مدعى الفقر والمعرفة وهم يحاربون الله بترك دينه وشريعته ورسوله بترك متابعته واحياء سنته { وليحلفن لهم ان اردنا الا الحسنى } فيما دعوناكم اليه { والله يشهد انهم لكاذبون } فيما يدعون ويحلفون كذا فى التأويلات النجمية