التفاسير

< >
عرض

لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١١٠
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لا يزال بنيانهم الذى بنوا } البنيان مصدر اريد به المفعول ووصفه بالموصول الذى صلته فعله للايذان بكيفية بناتهم له وتأسيسه على اوهن قاعدة واوهى اساس وللاشعار بعلة الحكم اى لا يزال مسجدهم ذلك مبنيا ومهدوما { ريبة فى قلوبهم } اى سبب ريبة وشك فى الدين كأنه نفس الريبة. اما حال بنائه فظاهر لما ان اعتزالهم من المؤمنين واجماعهم فى مجمع على حياله يظهرون فيه ما فى قلوبهم من آثار الشرك والنفاق ويدبرون فيه امورهم ويتشاورون فى ذلك ويلقى بعضهم الى بعض ما سمعوا من اسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكا فى الدين. واما حال هدمه فلما انه رسخ به كان فى قلوبهم من الشر والفساد وتتضاعفت آثاره واحكامه { إلا أن تقطع } من التفعل بحذف احدى التائين اى الا ان تقطع { قلوبهم } قطعا وتتفرق اجزاء بحيث لا يبقى لها قابلية ادراك واضمار قطعا وهو استثناء من اعم الاوقات او اعم الاحوال محله النصب على الظرفية اى لا يزال بنيانهم ريبة فى كل وقت الاوقات او كل حال من الاحوال الا وقت تقطع قلوبهم فحينئذ يسلون عنها. واما ما دامت سالمة فالريبة باقية فيها فهو تصوير لامتناع زوال الريبة عن قلوبهم الى الموت ويجوز ان يكون المراد حقيقة تقطعها عند قتلهم او فى القبور بالبلى او فى النار { والله عليم } [وخداى تعالى داناست بتأسيس بنا وايشان كه بجه نيت بوده] { حكيم } فيما حكم وامر من هدم مسجدهم واظهار نفاقهم.
واعلم ان فى الآيتين المذكورتين اشارات منها ان صفاء الطوية وحسن الاعتقاد كالاساس فى باب الاعمال فكما ان البناء لا يقوم على الماء بل يقوم على الارض الصلبة كذلك الاعمال لا تقوم الا على محكم الاعتقاد وهو الباعث على الاخلاص العمل الذى هو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته وضده النفاق وهو التقرب الى الخلق من دون الله تعالى. واما اخلاص طلب الاجر فهو ارادة نفع الآخرة بعمل الخير وضده الرياء وهو ارادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء اراده من الله او من الناس لان الاعتبار فى الرياء بالمراد منه.
فعلى العاقل ان يجعل اساس دينه على الاعتقاد الصحيح والاخلاص والتقوى حتى يكون كشجرة اصلها ثابت وفرعها فى السماء.
ومنها ان المنافقين بنوا مسجدا للصلاة صوره فهم انما بنوا متحدثا لهم حقيقة ومحلا لقاذورات اقوالهم وافعالهم ولذا كان حريا بالقاء الجيف فيه بعد الهدم فتتمتعوا قليلا ثم وقعوا فى النار جميعا كما قال تعالى
{ { إن الله جامع المنافقين والكافرين فى جهنم } [النساء: 140].
فكما ان من جالسهم فى مجالسهم القذرة العذرة شقى شقاوة حقيقية كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وانديتهم المقدسة سعد سعادة ابدية وتطهر طهارة اصلية وقد قال عليه السلام
"انهم القوم لا يشقى بهم جليسهم"
. فالمراد السامع او الجالس لان المجالسة والسماع ينتجان عن المحبة قال عليه السلام "المرء مع من احب" . وهنا سر صوفى يريد صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بالطاعة والادب الشرعى وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدى.
ومنها انهم ارادوا ببنيانهم مكرا وخديعة وغفلوا عن مكر الله تعالى بهم ولذا افتضحوا

مكر حق سر جشمه اين مكر هاست قلب بين الاصبعين كبر ياست
آنكه سازد دردلت مكرو قياس آتشى داند زدن اندر بلاس

ومنها ان من كانت شقاوته اصلية ازلية فهو لا يزداد بما ابتلاه الله تعالى به الا ضلالا وغيظا وانكارا والعاقل يختار فضوح الدنيا لانه اهون من فضوح الآخرة

ازين هلاك مينديش وباش مردانه كه اين هلاك بودموجب خلاص ونجات

ومنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذب الناس عن النار وعن الوقوع فيها ولذا هدم مسجدهم الضرار اذ لو تركه على حاله لعاد الضرر على العامة بنزول البلية وهى نار معنى ولافتتن به بعض الناس والفتنة الدينية سبب للنار حقيقة فأهل الفساد والشر لا يقرون على ما هم عليه بل ينكر عليهم اشد الانكار بهتك اعراضهم واخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة الى الاخراج وكذا هدم بيوتهم ومنازلهم.
ذكر فى فتاوى ابى الليث رجل بنى رباطا للمسلمين على ان يكون فى يده ما دام حيا فليس لاحد ان يخرجه من يده ما لم يظهر منه امر يستوجب الاخراج من يده كشرب الخمر فيه وما اشبه ذلك من الفسق الذى ليس فيه رضى الله لان شروط الوقف يجب اعتبارها ولا يجوز تركها الا للضرورة.
وقال فى نصاب الاحتساب فاذا كان الخانقاه يخرج من يد بانيه لفسقه فكيف يترك فى الخانقاه فاسق او مبتدع. مثل الحديدية الذين يلبسون الحديد لان الحديد حلية اهل النار سواء اتخذ خاتما او حلقة فى اليد او فى الاذن او فى العنق او غير ذلك. ومثل الجوالقية الذين يلبسون الجوالق والكساء الغليظ ويحلقون اللحية وكلاهما منكر. فأما الاول فلانه لباس شهرة وقد نهى عنه. واما الثانى فلانه من فعل الافرنج وفيه تغيير خلق الله تعالى والتشبه بالنساء. ومثل القلندرية الذين يقصون الشعور حتى الحاجب والاهداب وفيهم يقول الحافظ

قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو حساب راه قلندر موى بموست
كدشتن از سرمو در قلندرى سهلست جو حافظ آنكه زسر بكذردقلندراوست

وقس عليهم سائر فرق اهل البدعة وفى الحديث "لقد هممت ان آمر رجلا يصلى بالناس وانظر الى اقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرق بيوتهم"
. وهذا يدل على جواز احراق بيت الذى بيت الذى يتخلف عن الجماعة لان الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لانه معصية فاذا علم جواز احراق البيت على ترك السنة المؤكدة فما ظنك فى احراق البيت على ترك الواجب والفرض عصمنا الله واياكم من الاقوال والافعال المنكرة