التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١١٧
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لقد تاب الله على النبى } قال ابن عباس رضى الله عنهما هو العفو عن اذنه للمنافقين فى التخلف عنه وهذا الاذن وان صدر عنه عليه السلام وحده الا انه اسند الى الكل لان فعل البعض يسند الى الكل لوقوعه فيما بينهم كما يقال بنوا قتلوا زيدا وهذا الذنب من قبيل الزلة لان الانبياء معصومون من الكبائر والصغائر عندنا لان ركوب الذنوب مما يسقط حشمة من يرتكبها وتعظيمه من قلوب المؤمنين والانبياء يجب ان يكونوا مهابين موقرين ولذا عصموا من الامراض المنفرة كالجذام وغيره فليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الافضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى كما قال ابو سعيد الخراز قدس سره حسنات الابرار سيآت المقربين.
وقال السلمى ذكر توبة النبى عليه السلام لتكون مقدمة لتوبة الامة وتوبة التابع انما تقبل التصحيح بالمقدمة.
وقال فى التأويلات النجمية التوبة فضل من اله ورحمة مخصوصة به لينعم بذلك على عباده فكل نعمة وفضل يوصله الله الى عبداه يكون عبوره على ولاية النبوة فمنها يفيض على المهاجرين والانصار وجميع الامة فلهذا قال { لقد تاب الله على النبى } { والمهاجرين والانصار } يدل عليه قوله عليه السلام
"ما صب الله فى صدرى شيئاً الا وصببته فى صدر ابى بكر رضى الله عنه"
. والانصار جمع نصير كشريف واشراف او جمع ناصر كصاحب واصحاب وهم عبارة عن الصحابة الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل المدينة وهو اسم اسلامى سمى الله تعالى به الاوس والخزرج ولم يكونوا يدعون بالانصار قبل نصرهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قبل نزول القرآن بذلك وحبهم واجب وهو علامة الايمان وفى الحديث "آية المؤمن حب الانصار. وحب الانصار آية الايمان. وآية النفاق بغض الانصار"
. كذا فى فتح القريب والمهاجرون افضل من الانصار كما يدل عليه قوله عليه السلام "لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار"
. قال ابن الملك المراد منه اكرام الانصار فانه لا رتبة بعد الهجرة اعلى من نصرة الدين انتهى وباقى الكلام سبق عند قوله تعالى { { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } [التوبة: 100].
الآية فارجع الى تفسيرها { الذين اتبعوه } اى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من اوامره { فى ساعة العسرة } اى وهو الزمان الذى وقع فيه غزوة تبوك فانه قد اصابتهم فيها مشقة عظيمة من شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ومن قلة الزاد حتى قيل ان الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير ومن قلة الماء حتى شربوا الفظ وهو ماء الكرش من عمر رضى الله عنه خرجنا فى قيظ شديد واصابنا فيه عطش شديد ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه.
فال الكاشفى [وبرطوبات اجواف وامعاى آن دهن خويش راتر ميسا ختند] وذلك سميت غزوة العسرة وسمى من جاهد فيها بجيش العسرة وهذه صفة مدح لاصحاب النبى عليه السلام باتباعهم اياه فى وقت الشدة ومع لك فقد كانوا محتاجين الى التوبة فما ظنك بغيرهم ممن لم يقاس ما قاسوه من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم } اى يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بان هموا ان ينصرفوا فى غير وقت الانصراف من غير ان يؤذن لهم فى ذلك لشدائد اصابتهم فى تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما ظهر على قلوبهم فتاب الله عليهم وفى كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ فى محل النصب على انها خبر كاد وخبر كاد اذا كان جملة لا بد ان يكون فيه ضمير يعود على اسمها الا اذا كان اسمها ضمير الشان فحينئذ لا يجب ان يكون فيه ضمير يعود الى اسمها { ثم تاب عليهم } اى تجاوز عن ذنبهم الذى فرط منهم وهو تكرير للتاكيد وتنبيه على انه يتاب عليهم من اجل ما كابدوا من العسرة: قال الحافظ

مكن زغصه شكايت كه در طريق طلب براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد

{ إنه } اى الله تعالى { بهم رؤوف رحيم } استئناف تعليل فان صفة الرأفة والرحمة من دواعى التوبة والعفو ويجوز كون الاول عبارة عن ازالة الضرر والثانى عن ايصال المنفعة وان يكون احدهما للسوابق والآخر للواحق ومن كمال رحمته ارسال حبيبه واظهار معجزاته -روى- انهم شكوا للنبى عليه السلام عسرة الماء فى غزوة تبوك فقال ابو بكر رضى الله عنه يا رسول الله ان الله تعالى عودك فى الدعاء خيرا فادع الله لنا قال "أتحب ذلك" قال نعم فرفع عليه السلام يديه فلم يرجعهما حتى ارسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه وتلك السحابة لم تتجاوز العسكر "-وروى- انهم نزلوا يوما فى غزوة تبوك على عين ماء بفلاة من الارض وقد كادت عتاق الخيل والركاب تقع عطشا فدعا عليه السلام وقال اين صاحب الميضاة قيل هو ذا يا رسول الله قال جئنى بميضاتك فجاء بها وفيها شيء من ماء فوضع اصابعه الشريفة عليها فنبع الماء بين اصابعه العشر وأقبل الناس واستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر من الخيل اثنا عشر الف فرس ومن الابل خمسة عشر الف بعير والناس ثلاثون الفا" وفى رواية سبعون: قال السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية

كوثر نمى زجشمه إحسان رحمتش آب حيات قطره ازجام مصطفاست

"-روى- انهم لما اصابهم فى غزوة تبوك مجاعة قالوا يا رسول الله لو اذنت لنا نحرنا نواضحنا وادّ هنا فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله ان فعلت فنى الظهر ولكن ادعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها فى ذلك فقال عليه السلام نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل ازوادهم فجعل الرجل يأتى بكف من درة ويجيء الآخر بكف من تمر ويجيء الآخر بميرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا عليه السلام بالبركة ثم قال خذوا فى اوعيتكم فاخذوا حتى ما تركوا فى العسكر وعاء الا ملأوه واكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى الله عليه وسلم اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يلقى الله بها عبدا غير شاك الا وقاه الله النار" قال الشيخ المغربى قدس سره

كل توحيد نرويد ززمينى كه درو خار شرك وحسد وكبرورياوكين است

.والاشارة فى الآية { لقد تاب الله على النبى } اى نبى الروح بمنزلة النبى يأخذ بالهام الحق حقائق الدين ويبلغها الى امته من القلب والنفس والجوارح والاعضاء. فالمعنى افاض الله على نبى الروح ومهاجرى صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية الى المدينة الجسدانية والانصار من القلب والنفس وصفاتها وهم ساكنوا مدينة الجسد فيوضات الرحمة { الذين اتبعوا } الروح ساعة رجوعه الى عالم العلو بالعسرة اذ هم نشأوا فى عالم السفل يعسر عليهم السير الى عالم العلو من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق من النفس وصفاتها وهواها فان ميلها طبعا الى عالم السفل ثم تاب عليهم بافاضة الفيض الربانى لتعليهم عن طبعهم انه بهم رؤف رحيم ليجعلهم باكسير الشريعة قابلين للرجوع الى عالم الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية