التفاسير

< >
عرض

وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١١٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وعلى الثلاثة الذين خُلفِّوا } اى وتاب الله على الثلاثة الذين اخر امرهم ولم يقطع فى شأنهم بشيء الى ان نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك والشاعر ومرادة بن الربيع العنبرى وهلال بنى امية الانصارى يجمعهم حروف كلمة "مكه" وآخر اسماء آبائهم "عكه" { حتى اذا ضاقت عليهم الارض } غاية للتخفيف اى اخر امرهم الى ان ضاقت عليهم الارض { بما رحبت } اى برحبها وسعتها لاعراض الناس حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون ان يموتوا فلا يصلى النبى عليه السلام ولا لمؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار { وضاقت عليهم أنفسهم } اى امتلأت قلوبهم بفرط الوحشة والغم بحيث لم يبق فيها ما يسع شيئاً من الراحة والانس والسرور عبر عن الراحة والسرور بضمير عليهم حيث قيل ضاقت عليهم تنبيها على ان انتفاء الراحة والسرور بمنزلة انتفاء ذواتهم { وظنوا ان لا ملجأ من الله إلا إليه } اى علموا وايقنوا ان لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى الا الى استغفاره فظنوا بمعنى علموا لانه تعالى ذكر هذا الوصف فى معرض المدح والثناء وذا لا يكون الا مع علمهم بذلك. وقوله ان مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ولا مع ما فى حيزها خبر ان ومن الله خبر لا وان ما فى حيزها ساد مسد مفعولى ظنوا ولا استثناء من العام المحذوف اى وعلموا ان الشان لا التجاء من سخط الله الى احد الا اليه.
قال بعض المتقدمين من تظاهرت عليه النعم فليكثر الحمد لله ومن كثرت همومه فليكثر الاستغفار.
واعلم ان من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يلتجئ الا الى الله فالفرار ليس الا اليه على كل حال واما المظاهر او المحال فليست الا اسبابا: وفى المثنوى

كرجه سايه عكس شخص است اى بسر هيج ازسايه نتانى خوردبر
هين زسايه شخص را مى كن طلب درمسبب روكذر كن از سبب

{ ثم تاب عليهم } اى وفقهم للتوبة { ليتوبوا } ليرجعوا عن المعصية
واعلم ان ههنا امورا ثلاثة. التوفيق للتوبة وهو ما دل عليه قوله ثم { تاب }. ونفس التوبة وهو ما دل عليه قوله { ليتوبوا }. وقبول الله تعالى اياها وهو ما دل عليه قوله { وعلى الثلثة } وانما عطف الامر الاول على الثالث بكلمة ثم لكونه اصل الجميع مقدما على الامر الثالث بمرتبتين فتكون كلمة ثم للتراخى الرتبى ويجوز ان يكون المعنى ثم تاب عليهم اى انزل قبول توبتهم ليتوبوا اى ليصيروا من جملة التوابين ويعدوا منهم فتكون كلمة ثم على اصل معناها لان انزال القبول متفرع على نفس القبول المذكور بقوله وعلى الثلاثة { ان الله هو التواب الرحيم } اى المبالغ فى قبول التوبة لمن تاب وان عاد فى اليوم مائة مرة المتفضل عليهم بفنون الآلآء مع استحقاقهم لا فانين العقاب

كر لطف تويارى ننمايد زنخست هم توبه شكسته است وهم بيمان سست
جون توبه باميد بذيرفتن تست تاتو نبذيرى نشود توبه درست

-روى- ان ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به عليه السلام.
عن الحسن انه قال بلغنى انه كان لاحدهم حائط كان خيرا من مائة الف درهم فقال يا حائطاه ما خلفنى الا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فانت فى سبيل الله ولم يكن لآخر الا اهله فقال يا اهلاه ما بطأنى ولا خلفنى الا الضن بك فلا جرم والله انى لأكابدنّ المفاوز حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فركب ولحق ولم يكن لآخر الا نفسه لا اهل ولا مال فقال يا نفسى ما خلفنى الا حب الحياة لك والله لأكابدنّ الشدائد حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فتأبط زاده ولحق به عليه السلام.
"وعن ابى ذر الغفارى ان بعيره ابطأه فحمل متاعه على ظهره واتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا
*راه نزديك وبما ندم سخت دير* سير كشتم زين سوارة سيرسير*
فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده كن ابا ذر فقال الناس هو ذاك فقال عليه السلام رحم الله ابا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده"
.
ومنهم من بقى ولم يلحق به عليه السلام وهم الثلاثة وكان كعب شهد بيعة العقبة وهلال ومرارة شهدا بدرا "قال كعب لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته وسلمت عليه فرد على كالمغضب بعد ما ذكرنى وقال يا ليت شعرى ما خلف كعبا فقيل له ما خلفه الا حسن برديه والنظر فى عطفيه قال ما اعلم الافضل واسلاما وقال ما خلفك عنى ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت ما خلفنى عند عذر وانما تخلفت بمجرد الكسل وقلة الاهتمام فقال عليه السلام قم عنى حتى يقضى الله فيك وكذا قال لصاحبيه ونهى عن كلامهم فاجتنبهم الناس ولم يكلمهم احد من قريب ولا بعيد فاما الرجلان فمكثا فى بيوتهما يبكيان واما كعب فكان يحضر الصلاة مع المسلمين ويطوف فى الاسواق فلا يكلمه احد منهم قال كعب وبينما انا امشى بسوق المدينة اذا نبطى من انباط الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق اى جعل الناس يشترون له حتى اذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان الى وهو الحارث بن ابى شمر وكان الكتاب ملفوفا فى قطعة من الحرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغنى ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا بضيعة ذل فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأته وهذا ايضا من البلاء فتيممت اى قصدت به التنور فسجرته اى القيته فيه والانباط قوم يسكنون البطائح بين العراقيين قال حتى اذا مضت اربعون ليلة جاءنى رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت أطلقها ام ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وارسل الى صاحبى وهما هلال ومرارة بمثل ذلك فقلت لامرأتى الحقى باهلك فكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الامر فجاءت امرأة هلال رسول الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلالا شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره ان اخدمه فقال عليه السلام لا ولكن لا يقربك وقالت والله انه ما به حركة الى شئ والله ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا فمضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين النهى عن الكلام قال كعب فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا من ذروة جبل سلع يقول باعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر
*ابشروا يا قوم اذ جاء الفرج*افرحوا يا قوم قد زال الحرج* *مى دمددر كوش هرغمكين بشير*خيز اى مدبر ره اقبال كير* *اى درين حبس ودرين كندوشيش*هين كه تاكس نشود رسنى خمش* *جون كنى خامش كنون اى يارمن*كزبن هرمو بر آمد طبل زن* فخررت ساجدا وعرفت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بتوبة الله علينا فلما جاءنى الرجل الذى سمعت صوته يبشرنى وهو حمزة بن عمرو الاوسى نزعت ثوبى فكسوته اياهما ببشراه والله ما املك غيرهما يومئذ
*بعيد نيست كه صد جان بمرده بستانند*برين بشارت دولت كه عن قريب آمد* واستعرت من ابن عمى قتادة ثوبين فلبستهما"
. وكان المبشر لهلال بن امية اسعد بن سعد. ولمرارة بن ربيع سلكان بن سلامة قال كعب انزل الله توبتنا على نبيه حين بقى الثلث الاخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند ام سلمة رضى الله عنها وكانت ام سلمة محسنة فى شأنى معينة فى امرى فقال عليه السلام "يا ام سلمة تيب على كعب قالت أفلا ارسل اليه فابشره قال اذا يحطم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة حتى اذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر اعلم بتوبة الله علينا قال فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنئونى بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الى طلحة بن عبد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الى رجل من المهاجرين غيره ولا انساها لطلحة وذلك لانه عليه السلام كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان عليه السلام اذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر: قال السلطان سليم الاول من السلاطين العثمانية
*كرآكهى زمعنى والشمس والضحى*تعريف ماه روى دلاراى مصطفاست* *بنكر بجرح وكوكبه لشكر نجوم*كأنها فروغ كوهر والاى مصطفاست*
فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال ابشر يا كعب بخير يوم ما مر عليك منذ ولدتك امك ثم تلا علينا الآية وهى { لقد تاب الله } [التوبة: 117] الى قوله { وكونوا مع الصادقين } [التوبة: 119] فقلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله قال امسك عليك بعض مالك فهو خير لك"
.وعن ابى بكر الوراق انه سئل عن التوبة النصوح فقال ان تضيق على التائب الارض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه

توبه كردم حقيقت باخدا نشكنم ناجان شدن از تن جدا

واعلم ان قصة هؤلاء الثلاثة اشارة الى ان الهجران بين المسلمين اذا كان فيه صلاح لدين المهجور لا يحرم محره حتى يزول ذلك وتظهر توبته وكذا اذا كان المهجور مذموم الحال لبدعة او فسق او نحوهما فانه لا يحرم الهجران الى ظهور التوبة لانه لحق الله لما كان فى جانب الدين فيجوز فوق ثلاثة ايام ولا تجوز الزيادة عن الثلاثة فيما كان بينهم من الامور الدنيوية وحظوظ النفس وانما عفى عنه فى الثلاثة لان الآدمى مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفى عن الهجر فى الثلاثة ليذهب ذلك العارض.
فعلى العاقل ان يسارع الى تحصيل الاخوة فى الله ويجتنب عن التحاسد والتباغض والتدابير

هيج رحمى نه ببرادر دارد هيج شوقى نه بدررا ببسرمى بنيم
دختر انراهمه جنكست وجدل بامادر بسرانرا همه بدخواه بدر مى بنيم