التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٠
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ إلا تنصروه } ان لم تنصروا محمدا فى غزوة تبوك { فقد نصره الله } فسينصره الله كما نصره { اذا اخرجه الذين كفروا } اى تسببوا لخروجه بان هموا بقتله والا فهو عليه السلام انما خرج باذن الله تعالى وامره لا باخراج الكفرة اياه { ثانى اثنين } حال من ضميره عليه السلام اى احد اثنين من غير اعتبار كونه عليه السلام ثانيا فان معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع اربعة ونحو ذلك احد هذه الاعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة والاثنان ابو بكر ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم { اذ هما فى الغار } بدل من اذ اخرجه بدل البعض اذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى اعلى ثور وثور جبل فى يمنى مكة على مسير ساعة.
وقال فى التبيان على فرسخين او نحوهما.
وفى القاموس ويقال له ثور اطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه.
وفى انسان العيون وانما قيل للجبل ذلك لانه على صورة الثور الذى يحرث عليه -وتحرير القصة- انه
"لما ابتلى المسلمون باذى الكفار اذن صلى الله عليه وسلم لهم فى الهجرة وقال انى رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين وهما الحرتان وقال انى لارجو ان يؤذن لى فى الهجرة اليها فقال ابو بكر وهل ترجو ذلك بابى انت قال نعم" فحبس ابو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف الا هو وعلىّ وصهيب ومن كان محبوسا او مريضا او عاجزا عن الخروج فابتاع ابو بكر بعد هذا المقال النبوى راحلتين بثمانمائة ردهم فحبسهما فى داره يعلفهما الخبط اعدادا لذلك والخبط محركة ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق او غيره ويعجن بالماء فتوجره الابل اى تأكله فكانتا عنده قريبا من ثلاثة اشهر لان الهجرة كانت فى ذى الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت فى ربيع الاول ولما رأت قريش قوة امر رسول الله حيث بايعه الاوس والخزرج وصار له انصار فى القبائل والاقطار خافوا من ان يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل اذا ادبر الامر كان العطب فى الحيلة فاجتمعوا فى دار الندوة ليتشاوروا فى امره عليه السلام ودار الندوة هى اول دار بنيت بمكة كانت منزل قصى بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفى الآن وكان لها باب للمسجد وقيل لها دار الندوة لاجتماع الندوة وهى الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة لانه اجتمع فيه اشراف عبد بنى شمس وبنى نوفل وبنى عبد الدار وبنى أسد وبنى محزوم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ولم يتخلف عن اهل الراى والحجى احد وكانت مشاورتهم فى يوم السبت فقد "سئل صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت فقال يوم مكر وخديعة قالوا ولم يا رسول الله قال ان قريشا ارادوا ان يمكروا فيه" .
وجاء اليهم ابليس فى صورة شيخ نجدى وقال انا من اهل نجد وانما قال ذلك لان قريشا قالوا لا يدخلن معكم فى المشاورة احد من اهل تهامة لان هواهم كان مع محمد فعند ذلك قالوا هو من اهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفى كما بين فى تفسير قوله تعالى { { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الانفال: 30].
فى سورة الانفال فمنعه ابليس واتفقت آراؤهم على قول ابى جهل وهو ان يخرجوا اليه من كل قبيلة من قريش شابا جليدا اى قويا بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه فى القبائل بحيث لا يقدر بنوا عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدى هذا الرأى وتفرقوا عن تراض فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلى رضى الله عنه
"نم على فراشى واتشح بردائى هذا الحضرمى فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه منهم" وكان عليه السلام يشهد العيدين فى ذلك الرداء وكان طوله اربعة اذرع وعرضه ذراعين وشبرا وهل كان اخضر او احمر يدل للثانى قول جابر رضى الله عنه كان يلبس رداء احمر فى العيدين والجمعة.
وفى سيرة الحافظ الدمياطى وارتد بردائى هذا الاحمر والحضرمى منسوب الى حضرموت التى هى القبيلة او البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وانما امر عليا رضى الله عنه ان يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد علىّ عن طلبه حتى يبلغ وهو وصاحبه الى ما امره الله ان يبلغا اليه فلما مضى عتمة من الليل اى الثلث الاول منه اجتمعوا على باب رسول الله وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى
{ { يس والقرآن الحكيم } [يس: 1] الى قوله { { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } [يس: 9].
فاخذ الله ابصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم. وعن النبى عليه السلام انه ذكر فى فضل يس انها
"اذا قرأها خائف امن او جائع شبع او عار كسى او عاطش سقى او سقيم شفى" وعند خروجه عليه السلام اخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فاتاهم آت فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب فدخلوا على علىّ فقالوا له يا على اين محمد فقال لا ادرى اين ذهب وكان قد انطلق الى بيت ابى بكر باشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال "قد اذن لى فى الخروج فقال ابو بكر الصحبة يا رسول الله بابى انت اى اسألك الصحبة قال نعم فبكى ابو بكر سرورا" ولله در القائل

ورد الكتاب من الحبيب بانه سيزورنى فاستعبرت اجفانى
هجم السرور على حتى انه من فرط ما قد سرنى ابكانى
يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن احزان

قال ابو بكر فخذ بابى انت احدى راحلتى هاتين فانى اعددتهما للخروج فقال عليه السلام "نعم بالثمن" وذلك لتكون هجرته عليه السلام الى الله بنفسه وماله والا فقد انفق ابو بكر رضى عنه على رسول الله اكثر ماله. فعن عائشة رضى الله عنها اربعين الف درهم. وفى رواية اربعين الف دينار هى الناقة القصوى او الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت فى خلافة ابى بكر واما ناقته عليه السلام العضباء فقد جاء ان ابنته فاطمة رضى الله عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول الله وابو بكر رجلا من بنى الدئل وهو عبد الله بن اريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال ان يأتى بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام فى بيت ابى بكر الى الليلة القابلة فخرجا الى طرف الغار وجعل ابو بكر يمشى مرة امام النبى ومرة خلفه فسأله رسول الله عن ذلك فقال يا رسول اذكر الرصد فاكون امامك واذكر الطلب فاكون خلفك لاكون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على اطراف اصابعه اى لئلا يظهر اثر رجليه على الارض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما ابو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى اتى فم الغار فانزله وفى رواية كانت قدما رسول الله قد قطرتا دما ويشبه ان يكون ذلك من خشونة الجبل والا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى ليلته او انه عليه السلام ذهب الى جبل حنين فناداه اهبط عنى فانى اخاف ان تقتل لى ظهرى فاعذب فناداه جبل ثور الى يا رسول الله وكان الغار معروفا بالهوام فلما اراد رسول الله دخوله قال له ابو بكر مكانك يا رسول حتى استبرئ الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية ان يخرج منها شيء يؤذيه اى رسول الله فبقى جحر وكان فيه حية فوضع رضى الله عنه عقبه عليه ثم دخل رسول الله فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تنحدر فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤسهم تعظيما للحية التى لدغت ابا بكر فى الغار وذلك لانهم يزعمون ان ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول الله وابو بكر الغار امر الله شجرة وهى التى يقال لها القتاد وقيل ام غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها ويقال انه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت امام الغار فاقبلت حتى وقفت على باب الغار وانها كانت مثل قامة الانسان.
وقال الحدادى وكان عليه السلام مر على ثمامة وهى شجرة صغيرة ضعيفة فامر ابا بكر ان يأخذها معه فلما صار الى باب الغار امره ان يجعلها على باب الغار وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجا متراكما بعضه على بعض كنسج اربع مسنين كما قال فى القصيدة البردية

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم

اى ظنوا ان الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذى فيه خير البرية وظنوا ان العنكبوت لم تنسج ولم تحم اى لم تطف من حام حوله اى طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا: وقال المولى الجامى

شد دوسه تارى كه عنكبوت تنيد بر دران غار برده دار محمد

وقد نسج العنكبوت ايضا على نبى الله داود عليه السلام لما طلبه جالوت. ونسج ايضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن ابى طالب وهو اخو الامام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفى امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عريانا للخروج عليه وذلك فى سنة ست وعشرين ومائة واقام مصلوبا اربع سنين وقيل خمس سنين فلم تر عورته وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الامرين وكانوا عند صلبه وجهوه الى غير القبلة فدارت خشبته التى عليها الى ان صار وجهه الى القبلة ثم احرقوا خشبته وجسده رضى الله عنه قال العلماء ويكفى للعنكبوت شرفا نسجها على الغار "ونهى النبى عليه السلام يومئذ عن قتل العنكبوت وقال انها جند من جنود الله تعالى" : قال فى المثنوى

جمله ذرات زمين وآسمان لشكر حقنده كاه امتحان

واما قوله عليه السلام "العنبكوت شيطان فاقتلوه" وفى لفظ "العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه" فان صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ. وعن على طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيوت يورث الفقر وهذا لا يقدح فى شرفها.
وذكره فى حياة الحيوان ان ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها. ومن خواصها انها اذا وضع نسجها على الجراحة الطرية فى ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم اذا وضع عليه والعنكبوت التى تنسج على الكنيف اذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير. وامر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا فى الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اولا ففيه اختلاف والظاهر انه ليس من نسلهما لانه روى فى قصة نوح عليه السلام انه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الارض ووقعت بوادى الحرم فاذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا ووهب لها الحمرة فى رجليها واسكنها الحرم ودعا لها بالبركة. وذكر ان حمام مكة اظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة. وكان المسيح عليه السلام يقول لاصحابه ان استطعتم ان تكونوا بلهاقى الله مثل الحمام فافعلوا وكان يقال انه ليس شيء ابله من الحمام انك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود الى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه انه يطلب وكره ولو ارسل من الف فرسخ يحمل الاخبار ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدة القريبة كما قال فى المغرب الحمام بارض العراق والشام تشترى باثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة بكتب الاخبار فتؤديها وتعود بالاجوبة.
قال الجاحظ لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة فى بياض يوم واحد واليه الاشارة فى اشعار البلغاء: كما قال المولى جلال الدين قدس سره فى المثنوى

رقعه كر برّ مرغى دوختى برّ مرغ ازتفّ رقعه سوختى

قال السلطان سليم الاول يعنى فاتح مصر

مرغ جشم من كه بروازش بجزسوى تونيست بسته ام از اشك صد جانامه شوقش ببال

وقال فى حياة الحيوان اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللانس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة واما اللعب بها والتطير والمسابقة فقيل يجوز لانه يحتاج اليها فى الحرب لنقل الاخبار والاصح كراهيته فان قامر بالحمام ردت شهادته.
ولما فقد المشركون رسول الله شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة اعلاها واسفلها وبعثوا القافة اى الذين يقفون الاثر فى كل وجه ليقفوا اثره فوجد الذى ذهب الى جبل ثور وهو علقمة بن كرز اسلم عام الفتح اثره انتهى الى الغار فقال ههنا انقطع الاثر ولا ادرى اخذ يمينا ام شمالا ام صعد الجبل وكان عليه السلام شثن الكفين والقدمين يقال شثنت كفه شثنا وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الاصابع بالفتح كذا فى القاموس فاقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا الى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال امية بن خلف وما اربكم اى حاجتكم الى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن ابو بكر رضى الله عنه خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى { اذ يقول } بدل ثان او ظرف ثان والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم { لصاحبه } وهو ابو بكر الصديق رضى الله عنه ولذلك قالوا من انكر صحبة ابى بكر فقد كفر لانكاره كلام الله تعالى وكذا الروافض اذا كانوا يسبون الشيخين اى ابا بكر وعمر رضى الله عنهما ويلعنوهما يكفرون واذا كانوا يفضلون عليا عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما فى هدية المهديين وعن ابى بكر رضى الله عنه انه قال لجماعة ايكم يقرأ سورة التوبة قال رجل انا اقرأ فلما بلغ الى قوله اذ يقول لصاحبه الآية بكى رضى الله عنه وقال انا والله صاحبه { لا تحزن } ولم يقل لا تخف لان حزنه على رسول الله يغفله عن حزنه على نفسه وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له عليه السلام { ولا يحزنك قولهم } وبه يرد ما زعمته الرافصة ان ذلك كان غضبا من ابى بكر وذما له لان حزنه ان كان طاعة فالنبى عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق الا انه معصية كذا فى انسان العيون { ان الله معنا } بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التى لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه من المتبوعية فى الامر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام { ان الله معنا } وبين قول موسى عليه السلام
{ { ان معى ربى } [الشعراء: 62].
كيف تجده دقيقا والله الهادى
"-روى- ان المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤسهما اشفق ابو بكر على رسول الله عليه السلام فقال عليه السلام ما ظنك باثنين الله ثالثهما فاعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه " وذكر ان ابا بكر لما قال للنبى عليه السلام لو ان احدهم نظر الى قدميه لابصرنا قال له النبى عليه السلام "لو جاؤنا من ههنا لذهبنا من ههنا" فنظر الصديق الى الغار فاذا هو قد انفرج من الجانب الآخر واذا البحر قد اتصل به وسفينه مشدودة الى جانبه.
"قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة.
وفى الآية دلالة على علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثانى رسول الله فى عالم الارواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجرا وثانيه فى الغار وثانيه فى الخلافة وثانيه فى القبر بعد وفاته وثانيه فى انشقاق الارض عنه يوم البعث وثانيه فى دخول الجنة كما قال عليه السلام اما انك يا ابا بكر اول من يدخل الجنة من امتى"
وقال ايضا "الا ابشرك قال بلى بابى انت وامى قال ان الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة" "-وروى- ان ابا بكر عطش فى الغار فقال عليه السلام اذهب الى صدر الغار فاشرب فانطلق ابو بكر الى صدر الغار فوجد ماء احلى من العسل وابيض من اللبن واذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام ان الله امر الملك الموكل بانهار الجنة ان يخرق نهرا من جنة الفردوس الى صدر الغار لتشرب يا ابا بكر قال ابو بكر يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال عليه السلام نعم وافضل والذى بعثنى بالحق لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا" { فانزل الله سكينته } امنته التى تسكن عندها القلوب.
وقال الكاشفى [رحمت خودرا كه سبب آرامش است] { عليه } اى على النبى عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف اصلا او على صاحبه وهو الاظهر اذ هو المنزعج وكان رسول الله ساكنا على طمأنينة من امره واليه اشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره.

خواجه اول كه اول يار اوست ثانى اثنين اذ هما فى الغار اوست
جون سكينه شد زحق منزل برو كشت مشكلهاى عالم حل برو

وقال سعدى جلبى المفتى فى حواشيه بل الاول هو الاظهر المناسب للمقام وانزال السكينة لا يلزم ان يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق فى قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى. وفى مصحف حفصة { { فانزل الله سكينته عليه } [التوبة: 40].
{ وايده } اى قوىّ النبى عليه السلام { بجنود لم تروها } وهم الملائكة النازلون يوم بدر والاحزاب وحنين ليعينوه على العدو والجملة معطوفة على نصره تعالى { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى } يعنى جعل الله الشرك مقهورا مغلوبا ابدا الى يوم القيامة او دعوتهم الى الكفر: يعنى [دعوت كفررا كه ازايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت { وكلمة الله } اى التوحيد او الدعوة الى الاسلام وهى بالرفع على الابتداء { هى } ضمير فصل دفع توهم انه قد يفوق غير كلمة الله { العليا } الى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل الله ذلك بان اخرج رسوله من بين الكفر. وقرأ يعقوب كلمة الله بالنصب عطفا على كلمة الذين وهو ضعيف لانه يشعر بان كلمة الله كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هى عالية فى نفسها ابدا. وفى مناظرات المكى لو قال احد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله وقطع ولم يقل وكلمة الله هى العليا كان كافرا ان كان عمدا { والله عزيز } [وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيدرا] { حكيم } فى امره وتدبيره وحكمه.
قال الكاشفى [داناست خوارساز داهل كفررا ومقصود ازايراد قصه غاردر اثناى امر بغزوة تبوك آنست كه اكرشما اى كارهان جهاد يارى نكنيد بيغمبر مرا من اورا يارى كنم جنانجه در آن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او برخواسته بودند من اورا يارى كردم وازميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم بس مفتاح نصرت بقبضه منست: وما النصر الا من عند الله.

يارى ازمن جو نه ازخيل وسباه راز بامن كوى نه بامير وشاه
هركرا يارى كنم برتر شود هركرا دور افكنم ابتر شود

وتمام القصة انه لما انصرف قريش من الغار وايسوا منهما ارسلوا لاهل السواحل ان من اسر او قتل احدهما كان له مائة ناقة وفى رواية مائتان ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن ابى بكر وهو غلام يعرف يأتيهما حين يختلط الظلام ويخبرهما بما وعاه من اخبار اهل مكة ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فى بيته وكان عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وكانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما اذا امست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا نحو المدينة وانطلق معهما عامر بن فهيرة رديفا لابى بكر وانزل الله عليه { { وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق وٱجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا } [الاسراء: 80].
قال زيد بن اسلم جعل الله له مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الانصار رضى الله عنهم
"ولما خرج من مكة التفت اليها وبكى وقال انى لاخرج منك وانى لاعلم انك احب بلاد الله واكرمها على الله ولولا ان اهلك اخرجونى ما خرجت" وهو يدل على ان مكة افضل من سائر البلاد وفى الحديث "من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام والحسنة فيها بمائة الف حسنة" والكلام فى غير ما ضم اعضاءه الشريفة من ارض المدينة والا فذاك افضل بقاع الارض بالاجماع حتى من العرش والكرسى -ذكر- ان الطوفان موّج تلك التربة المكرمة على محل الكعبة حتى ارساها بالمدينة فهى من جملة ارض مكة "ولما سمع سراقة بن مالك بن جعشم الكنانى ان الكفار جعلوا فيهما ان قتلا او اسرا مائة ناقة ركب خلفهما حتى ادركهما فى طريق الساحل وقال يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال عليه السلام يمنعنى الجبار الواحد القهار ونزل جبريل فصاح وقال يا محمد ان الله يقول لك قد جعلت الارض مطيعة لك فاثمرها بما شئت فقال عليه السلام يا ارض خذيه فاخذت ارجل جواده الى الركب فقال يا محمد الامان فقال عليه السلام يا ارض اطلقيه فاطلقته" يقال عاهد سبع مرات ثم نكث العهد وكلما نكث تغوص قوائم فرسه فى الارض وفى السابعة تاب توبة صدق ورجع الى مكة وصار لا يرى واحدا من طلابه عليه السلام الا رده يقول اختبرت الطريق فلم ار احدا وقصة نزوله المدينة مذكورة فى السير