التفاسير

< >
عرض

لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٤٢
عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ
٤٣
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لو كان } [آورده اندكه جون حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم مردمانرا بغزوه تبوك اشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند. جمعى مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودندوآن اكابر مهاجرين وانصار بودند. وبعضى ضعفاء مؤمنانرا كران آمد فرمان خدا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم برهواى نفس اختيار كردند. وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شد كه] لو كان يا محمد ما دعوتهم اليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله { عرضا قريبا } العرض ما عرض لك من نافع الدنيا اى غنما سهل المأخذ قريب المنال { وسفراً قاصدا } ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذى قصد كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر وسمى السفر سفرا لانه يسفر اى يكشف عن اخلاق الرجال { لاتبعوك } فى الخروج طمعا فى المال وتعليق الاتباع بكلا الامرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط { ولكن بعدت عليهم الشقة } اى المسافة الشاقة التى تقطع بمشقة { وسيحلفون بالله } السين للاستقبال اى سيحلف المتخلفون عن الغزو اذا رجعتم اليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما اخبر فهو من جملة المعجزات النبوية { لو استطعنا } اى قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة او من جهة الصحة او من جهتهما جميعا { لخرجنا معكم } اى الى الغزاة. فقوله بالله متعلق بسيحلفون.
وقوله لخرجنا ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا لان قولهم لو اسطعنا فى قوة بالله لو استطعنا فيكون بالله قسما { يهلكون انفسهم } بدل من سيحلفون لان الحلف الكاذب اهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام
"اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" جمع بلقع وبلقعة وهى الارض القفر التى لا شيء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعنى من حلف عمدا كذبا لاجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما فى يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفى الحديث "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة"
. اى سبب لنفاقها ورواجها فى ظن الحالف "ممحقة للكسب"
.اى سبب لمحق بركة المسكوب وذهابها اما بتلف يلحقه فى ماله او بانفاقه فى غير ما يعود نفعه اليه فى العاجل او ثوابه فى الآجل او بقى عنده وحرم نفعه او ورثه من لا يحمده { والله يعلم انهم لكاذبون } اى فى مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا { عفا الله عنك لم اذنت لهم } لام لم ولام لهم متعلقتان بالاذن لاختلافهما فى المعنى فان الاولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين اى لأى سبب اذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللهم.
واعلم ان قوله تعالى { لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا ولاتبعوك } دل على ان قوما تخلفوا عن اتباعه عليه السلام لان لو لانتفاء الجواب لانتفاء الشرط وقوله { عفا الله عنك لم اذنت لهم } دل على ان ذلك التخلف كان باذن رسول الله والعفو يستدعى سبق الخطأ وهذا الخطأ ليس من قبيل الذنب بل من ترك الاولى والافضل الذى هو التأنى والتوقف الى انجلاء الامر وانكشاف الحال. فقوله عفا خبر: يعنى [دركذار بندخداى ازتو]. وقوله لم اذنت لهم بيان لما اشير اليه بالعفو من ترك الاولى وانما قدم الله العفو عن العتاب تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى
{ { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [الفتح: 2] وقوله لم اذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على اظهار لطفه به وكمال رأفته فى حقه كما فى التأويلات النجمية.
قال سفيان ابن عيينة انظروا الى هذا اللطف بدا بالعفو قبل ذكره المعفو ولقد اخطأ واساء الادب وبئسما فعل فيما قال وكتب عن زعم ان الكلام كناية عن الجناية وان معناه اخطأت وبئسما فعلت كما فى الارشاد.
ويجوز ان يكون انشاء كما قال الكاشفى فى تفسيره { عفا الله عنك } [دعاء له است حق سبحانه وتعالى بيغمبر خودرا ميفرمايد كه عفو كناد ازتوخداى وعادت مردم مى باشد كه دعا كند كسى را بعفو ورحمت ومغفرت بى وقوع خطايى ازوى جنانجه مثلا يكى تشنه را آب دهد اودر جواب ميكويد غفر الله لك بادر جواب عاطس ميكويد يرحمك الله] انتهى.
اقول ولقد اصاب فى تفسيره واجاد فى تقريره فان خطأ النبى عليه السلام وسهوه ونسيانه ليس من قبيل خطأ الامة وسهوهم ونسيانهم فالاولى للتأدب ان يسكت عما يشين بحاله او لا يليق بكماله { حتى يتبين لك الذين صدقوا } اى فيما اخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال او من جهة البدن او من جهتهما معا { وتعلم الكاذبين } فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الاولى والافضل. وحتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت الى الاذن لهم وهلا اخرتهم وتأنيت الى ان يتبين الامر وينجلى او ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى الى او بمعنى اللام ولا يجوز ان يتعلق باذنت لان ذلك يوجب ان يكون اذن لهم الى هذه الغاية او لاجل التبين وهذا لا يعاتب عليه.
واعلم ان الآية الاولى اشارت الى ان من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعدا ومصاحبا كثيرا ومن كان مطلوبه الحق والوصول اليه لا يجد له مرافقا وموافقا الا اقل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والامانى: وفى المثنوى

حفت الجنة بمكروهاتنا حفت النيران من شهواتنا

يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكروهة لنا وجعلت النار محاطة بالامور التى كانت محبوبة لنا واتيان الحظوظ اسهل من تركها ولذا ترى الرجل يدخل النار بالف درهم ولا يدخل الجنة بدرهم واحد.
والآية الاخيرة افادت التحرى والتأنى فى الامور وفى حديث انس رضى الله عنه
"ان رجلا قال للنبى اوصنى فقال النبى عليه السلام خذ الامر بالتدبر فان رأيت فى عاقبته خيرا فامضه وان خفت غيا فامسك" والعجلة صفة من صفات الشيطان -روى- انه لما رأى خلقه آدم من الطين قبل ان ينفخ فيه الروح عجل فى امره وقال وعزة ربى ان جعل هذا خيرا وفضله على فلا اطيعه وان جعلنى خيرا منه لاهلكته فلما نفخ فيه الروح وامر الملائكة وابليس بالسجود له عجل ابليس بالاباء لاظهار العداوة والسعى فى هلاكه على ما عزم عليه اولا ولم يتأن وينظر فى امره. واما التأنى فمن اوصاف الرحمن ولذا خلق السموات والارض فى ستة ايام وان كان قادرا على ان يخلقها فى مقدار طرفة عين.
فعلى العاقل العمل بالتأنى والافضل والجهاد الى آخر العمر وحلول الاجل كيلا يكون من المتخلفين.
قال شقيق ان الله تعالى اظهر هذا الدين وجعل عزه فى الجهاد فمن اخذ منه حظه فى زمانه كان كمن شاهده كله وشارك من مضى قبله من الغزاة ومن تبطأ عنه فى زمانه فقد شارك المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اثمهم وعارهم والتبطؤ والتخلف انما هو من الكسل الطبيعى البدنى ومن كان له حظ روحانى يجد فى نفسه المسارعة الى الخيرات: وفى المثنوى

هركرانى وكسل خود ازتنست جان زخفت جمله دربريدنست

اللهم اعصمنا من الكسل فى باب الدين واعنا انك انت المعين