التفاسير

< >
عرض

لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
٤٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لقد ابتغوا } اى طلب هؤلاء المنافقون { الفتنة } تشتيت شملك وتفريق اصحابك عنك { من قبل } اى قبل غزوة تبوك يعنى يوم احد فان ابيا انصرف يوم احد مع ثلاثمائة من اصحابه وبقى النبى عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين وقد تخلف بمن معه عن تبوك ايضا بعد ما خرج النبى عليه السلام الى ذى جدة اسفل من ثنية الوداع وكذا ابتغوا الفتنة فى حرب الخندق حيث قالوا يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وفى ليلة العقبة ايضا حيث القوا شيئاً بين قوائم ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل حتى تنفر وتلقى النبى عليه السلام عن ظهرها وايضا وقف اثنا عشر رجلا من المنافقين على تثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فاخبره الله بذلك وسلمه منهم والفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله { وقلبوا لك الامور } تقليب الامر تصريفه من وجه الى وجه وترديده لاجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول قلب اى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء فى ابطال امرك { حتى جاء الحق } اى النصر والتأييد الالهى { وظهر أمر الله } غلب دينه وعلا شرفه { وهم كارهون } والحال انهم كارهون لذلك اى على رغم منهم.
وقال الكاشفى { وايشان ناخواها نند نصرت ودولت ترا اماجون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست]

جون ترا اندر حريم قرب خودره داده شاه ازنفير برده دار وطعن دربان غم مخور

انظر الى ما فى هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول الله والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطا مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت الى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق اهل الهوى والرياء اجمعين لان صحبة غير الجنس لا تزيد الا تشويشا وتفرقة فى باب الدين وكسلا فى عزيمة اهل اليقين فاجهد ان لا ترى الاضداد ولا تجاورهم فكيف ان تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين: وفى المثنوى

جون ببندى توسر كوزه تهى درميان حوض وباجوئى نهى[1]
تاقيامت او فرو نايد ببست كه دلش خاليست دروى بادهست
ميل بادش جون سوى بالابود ظرف خودرا هم سوى بالا كشد
باز آن جانهاكه جنس انيباست سوى ايشان كش كشان جون سايه هاست
جان هامان جاذب قبطى شده جان موسى جاذب سبطى شده[2]
معده خركه كشد در اجتذاب معده آدم جذوب كندم آب

ثم فى قوله تعالى { { ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم } } [التوبة: 47] ذم للنمام والنميمة وهى كشف ما يكره كشفه يقال ان ثلث عذاب القبر النميمة.
قال عبد الله بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث.
قال الامام الغزالى اشار به الى ان كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على انه ولد الزنى وفى حديث المعراج
"قلت لمالك ارنى جهنم فقال لا تطيق على ذلك فقلت مثل سم الخياط فقال انظر فنظرت فرأيت قوما على صورة القردة قال هم القتاتون" اى النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بان النمام هو الذى يتحدث مع القوم والقتات هو الذى يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا فى شرح المصابيح -روى- ان الحسن البصرى جاء اليه رجل بالنميمة وقال ان فلانا وقع فيك فقال له الحسن متى قال قال اليوم قال اين رأيته قال فى منزله قال ما كنت تصنع فى منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت فى منزله قال كيت وكيت حتى عدد ثمانية الوان من الطعام فقال الحسن يا هذا قد وسع بطنك ثمانية الوان من الطعام وما وسع حديثا واحدا قم من عندى يا فاسق. وفيه اشارة الى ان النمام ينبغى ان يبغض ولا يوثق بصداقته -وذكر- ان حكيما من الحكماء زاره بعض اخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد ابطأت فى الزيارة واتيتنى بثلاث جنايات بغضت الىّ اخى وشغلت قلبى الفارغ واتهمت نفسك الامينة كذا فى الروضة والاحياء وهذا عادة الاخوان خصوصا فى هذا الزمان سامحهم الله الملك الديان.
فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوى الكلام وانواع الآثام فان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا