التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ انما الصدقات } اى جنس الزكوات المشتملة على الانواع المختلفة من النقدين وغيرهما سميت الزكاة صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية كما فى الكافى.
وذكر فى الازاهير ان تركيبها يدل على قوة فى الشيء قولا وفعلا وسمى بها ما يتصدق به لان بقوته يرد البلاء وقيل لان اول عامل بعثه صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة رجل من بنى صدق بكسر الدال وهم قوم من كندة والنسبة اليهم صدقى بالفتح فاشتقت الصدقة من اسمهم { للفقراء والمساكين } اى مخوصة بهؤلاء الاصناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم الى غيرهم من المنافقين والفقير من له شيء دون نصاب والمسكين من لا شيء له وهو المروى عن ابى حنيفة وقيل بالعكس وفائدة الخلاف تظهر فى الوصية او المسكين { والعاملين عليها } الساعى فى جمعها وتحصيلها فيعطى العامل مما فى يده من مال الزكاة بقدر عمله فقيرا كان او غنيا او هاشميا فلو ضاع ذلك المال لم يعط شيئاً وكذا لو اعطى المالك بنفسه زكاته الى الامام لا يستحق العامل شيئاً
وفى التبيين لو استغرقت كفاية الزكاة لا يزاد على النصف لان التنصيف عين الانصاف { والمؤلفة قلوبهم } وهم طائفة مخصوصة من العرب لهم قوة واتباع كثيرة منهم مسلم ومنهم كافر قد اعطوا من الصدقة تقريرا على الاسلام او تحريضا عليه او خوفا من شرهم { وفى الرقاب } اى وللصرف فى فك الرقاب اى فى تخليصها من الرق بان يعان المكاتبون بشيء منها على اداء بدل كتابتهم لا للرقاب فان المكاتب لا يستحق المال ولا يملكه بل يملكه مولاه وكذا مال المديون يملكه الدائن فالعدول عن اللام للدلالة على ان استحقاق الاربعة الاخيرة ليس لذواتهم اى لكونهم مكاتبا ومديونا ومجاهدا ومسافرا حتى يتصرفوا فى الصدقة كيف شاؤا كالاربعة الاول بل لجهة استحقاقهم كفك الرقبة من الرق وتخليص الذمة من مطالبة من له الحق والاحتياج الى ما يتمكن به من الجهاد وقطع المسافة ووجه الدلالة ان فى قد تستعمل لبيان السبب كما يقال عذب فلان فى سرقة لقمة اى بسببها والمراد مكاتب غيره ولو غنيا فيعطى ما عجز عنه فيؤدى الى عنقه. والرقاب جمع رقبة وهى يعبر بها عن الجملة وتجعل اسما للمملوكة { والغارمين } اى الذين تدينوا لانفسهم فى غير معصية اذا لم يكن لهم نصاب فاضل عن ديونهم والغارم والغريم وان كان يطلق كل واحد منهما على من له الدين الا ان المراد بالغارم فى الآية الذى عليه الدين وان المديون قسمان. الاول من ادّان لنفسه فى غير معصية فيعطى له من الزكاة ما يفى بدينه بشرط ان لا يكون له من المال ما يفى بدينه وان كان له ذلك فلا يعطى. والثانى من اد ان فى المعروف واصلاح ذات البين فانه يعطى من مال الزكاة ما يقضى به دينه وان كان غنيا واما من ادّ ان فى معصية او فساد فانه لا يعطى له شيء منها.
وعن مجاهد ان الغارم من احترق بيته او ذهب السيل بماله او ادّ ان على عياله { وفى سبيل الله } اى فقراء الغزاة عند ابى يوسف وهم الذين عجزروا عن اللحوق بحيش الاسلام لفقرهم اى لهلاك النفقة او الدابة او غيرهما فتحل لهم الصدقة وان كانوا كاسبين اذ الكسب يقعدهم عن الجهاد فى سبيل الله. وسبيل وان عم كل طاعة الا انه خص بالغزو اذا اطلق وعند محمد هو الحجيج المنقطع بهم { وابن السبيل } اى المسافر الكثير السير المنقطع عن ماله سمى به لملازمة الطريق فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان له فى البلد المنتقل اليه مال او لم يكن وهو متناول للمقيم الذى له مال فى غير وطنه فينبغى ان يكون بمنزلة ابن السبيل وللدائن الذى مديونه مقر لكنه معسر فهو كابن السبيل كما فى المحيط { فريضة من الله } مصدر لما دل عليه صدر الآية لان قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء } فى قوة ان يقال فرض الله لهم الصدقات فريضة.
قال الكاشفى [حق سبحانه وتعالى براى اين جماعت فرض كرده است زكاترا فريضه فرض كردنى من الله ثابت از نزديك خداى تعالى] { والله عليم } باحوال الناس ومراتب استحقاقهم { حكيم } لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة من الامور الحسنة التى من جملتها سوق الحقوق الى مستحقيها

حق تعالى جون درقسمت كشاد هركسى را هرجه مى بايست داد
نيست واقع اندران قسمت غلط بنده راخواهى رضا خواهى سخط

واعلم ان سهم المؤلفة قلوبهم ساقط باجماع الصحابة لما ان ذلك كان لتكثير سواد الاسلام فلما اعزه الله واعلى كلمته استغنى عن ذلك كما قال عمر رضى الله عنه فى زمن خلافة ابى بكر رضى الله عنه الاسلام اعز من ان يرشى عليه فان ثبتم على الاسلام بغير رشوة فبها والا فبيننا وبينكم السيف فبقيت المصارف السبعة على حالها فللمتصدق ان يدفع صدقته الى كل واحد منهم وان يقتصر على صنف منهم بل لو صرف الى شخص واحد منهم جاز فان اللام فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته اى ليست الخلافة لغيرهم لا أنها بينهم بالسوية فاللام لام الاختصاص لا التمليك لعدم جواز التمليك للمجهول.
قال مشايخنا من اراد ان يتصدق بدرهم يبتغى فقيرا واحدا ويعطيه ولا يشترى به فلوسا ويفرقها على المساكين كما فى المحيط وكذلك الافضل فى الفطر ان يؤدى صدقة نفسه وعياله الى واحد كما فعله ابن مسعود كما فى التمرتاشى وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون اما اذا كان مديونا او صاحب عيال او اذا فرق عليهم لم يخص كلا منهم نصاب فلا يكره كما فى الاشباه. وقوله كره اى جاز مع الكراهة اما الجواز فلان الاداء يلاقى الفقر لان الزكاة انما تتم بالتمليك وحالة التمليك المدفوع اليه فقير وانما يصير غنيا بعد تمام التمليك فيتأخر الغنى عن التمليك ضرورة فيجوز واما الكراهة فلان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان اكمل وندب دفع ما يغنى عن السؤال يومه لقوله عليه السلام
"اغنوهم عن المسألة" والسؤال ذل فكان فيه صيانة المسلم عن الوقوع فيه ولا يسأل من له قوت يومه لان فى السؤال ذلا ولا يحل للمسلم ان يذل نفسه بغير الاحتياج نكد والنكدى.
حرام ثم اعلم ان الاوصاف التى عبر بها عن الاوصاف المذكورة وان كانت تعم المسلم والكافر الا ان الاحاديث خصتها بالمسلم منهم.
وقال ابو حفص لا يصرف الى من لا يصلى الا احيانا. والتصدق على الفقير العالم أفضل من الجاهل. وصدقة التطوع يجوز صرفها الى المذكورين وغيرهم من المسلم والذمى والى بناء المساجد والقناطر وتكفين الميت وقضاء دينه ونحوها لعدم اشتراط التمليك فى التطوع وان اريد صرف الفرض الى هذه الوجوه صرف الى الفقير ثم يؤمر بالصرف اليها فيثاب المزكى والفقير ولو قضى دين حى اى من مال الزكاة وان كان بأمره جاز كأنه تصدق على المديون فيكون القابض كالوكيل له فى قبض الصدقة وان كان بغير امره يكون متبرعا فلا يجوز من زكاة ماله ولا تصرف الزكاة الى مجنون وصبى غير مراهق الا اذا قبض لهما من يجوز له قبضها كالال والوصى وغيرهما وتصرف الى مراهق يعقل الاخذ كما فى المحيط.
قال فى مجمع الفتاوى جملة ما فى بيت المال اربعة اقسام الاول الصدقات وما ينضم اليها تصرف الى ما قال الله تعالى { انما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية. والثانى الغنائم تصرف الى اليتامى والمساكين وابن السبيل. والثالث الجزية والخراج تصرف الى ما فيه صلاح دار الاسلام والمسلمين نحو سد الثغور والمقاتلة وعطياتهم وسلاحهم وكراعهم ويصرف الى امن الطريق والى اصلاح القناطر وكرى الانهار والى ارزاق الولاة والقضاة والائمة والمؤذنين والقراء والمحتسبين والمفتين والمعلمين. والرابع ما اخذ من تركة الميت اذا مات بلا وارث او الباقى من فرض الزوج او الزوجة اذا لم يترك سواه يصرف الى نفقة المرضى وادويتهم وعلاجهم ان كانوا فقراء والى نفقة من هو عاجز عن الكسب انتهى.
والاشارة انما الصدقات اى صدقات الله كما قال عليه السلام
"ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة الا لله فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده"
. والفقراء هم الاغنياء بالله الفانون عن غيره الباقون به وهذا حقيقة قوله عليه الصلاة والسلام "الفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة" وهو سر ما قال الواسطى الفقير لا يحتاج الى الله وذلك لأنه غنى به والغنى بالشئ لا يحتاج اليه والمساكين وهم الذى لهم بقية اوصاف الوجود لهم سفينة القلب فى بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا { والعاملين عليها } وهم ارباب الاعمال كما كان الفقراء والمساكين اصحاب الاحوال { والمؤلفة قلوبهم } وهم الذين تتألف قلوبهم بذكر الله الى الله المتقربون اليه بالتباعد عما سواه { وفى الرقاب } وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريا لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم { والغارمين } وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات اوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون فى سجن الوجود بقروضهم وانهم فى استخلاص ذممهم عن القروض بردها فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود { وفى سبيل الله } وهم الغزاة المجاهدون فى الجهاد الاكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا { وابن السبيل } وهم المسافرون عن اوطان الطبيعة والبشرية السائرون الى الله على اقدام الشريعة والطريقة بسفارة الانبياء والاولياء { فريضة من الله } اى هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب الى الله واستعمال آمال الشريعة والتمسكن والافتقار الى الله طلبا للاستغناء به امر واجب على العباد من الله وهذه الصدقات من المواهب الربانية والالطاف الالهية للطالبين الصداقين امر اوجبه الله تعالى فى ذمة كرمه لهم كما قال تعالى "ألا من طلبنى وجدنى" { والله عليم } بطالبيه { حكيم } فيما يعاونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى "من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا"
. كذا فى التأويلات النجمية.
فعلى السالك الفناء عن اوصاف الموجودات والحرية عن رق الكائنات وعرض الافتقار الى هذه النفحات والصدقات