التفاسير

< >
عرض

كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ كيف } يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله عليه السلاة والسلام { وام يظهروا عليكم } اى وحالهم انهم ان يظفروا بكم { لا يرقبوا فيكم } اى لا يرغبوا فى شانكم. واصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق الرعاية { الا } اى حلفا او قرابة
وقبل الال اسم عبرى بمعنى الاله
قال الازهرى ايل من اسماء الله تعالى بالعبرانية فجاز ان يكون معرب ال اى لا يراعوا حق الله تعالى { ولا ذمة } اى عهدا حقا يعاقب على اغفاله واضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الايمان والمواثيق يعنى ان وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فاذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها }يرضونكم بافواههم] استئناف بيانى كأنه قيل بأى وجه لا يراعون الحلف او القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فاجيب بانهم يرضونكم بافواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالايمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالايمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الارضاء للافواه للايذان بان كلامهم مجرد الفاظ يتفوهون بها من غير ان يكون لها مصداق فى قلوبهم [وتأبى قلوبهم } ما تتفوه به افواههم يعنى ان ألسنتهم تخالف قلوبهم وما فى بواطنهم من الضغائن ينافى ما اظهروه بالسنتهم من وعد الايمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم انما يقولون كلاما حلوا مكرا وخديعة وفى الحديث
"المكر والخديعة فى النار" يعنى اربابها وفى الحديث "اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" وهى جمع بقلمة وهى الارض الفقر الى لا شئ فيها وامرأة بلقعة اذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه
فينبغى للعاقل ان لا يجعل عادنه ان يحلف فى كل صغير وكبير فانه ربما يحلف كاذبا فيستحق العقوبة - ورد - ان البياع الحلاف اذا كان داذبا فى يمينه يكون ثمن ما باعه اشد حرمة من لحم الخنزير { واكثرهم } اى اكثر المشركين { فاسقون } خارجون عن الطاعة فان مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون فى الكفر ليست لهم عقيدة تمنعم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الاكثر لما فى بعض الكفرة من التفادى عن الغدر والتعفف عما يجر احدوثة السوء والاحدوثة ما يتحدث الناس فى حقه من المثالب والمعائب.
يقول الفقير ذكر عند حضرة شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة مروءة بعض اهل الذمة فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى النجاة والفلاح: وفى المثنوى

من نديدم درجهان جست وجو هيج اهليت به از خوى نكو[1]
دربى خوباش وباخوشخو نشين خو بذيرى روغن وكل رابيين[2]
بس يقين دان صورت خوب ونكو يا خصال بد نيرزد يك طسو[3]
ور بود صورت حقير ونايذير جون بود خلقش نكو درباش مير

وقد اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا بوصية جامعة لمحاسن الاخلاق فقال "يا معاذ اوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد واداء الامانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الامل ولزوم الايمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح واياك ان تسب حكيما او تكذب صادقا او تطيع آثما او تعصى اماما عادلا او تفسد ارضا. اوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وان تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك ادب الله عباده ودعاهم الى مكارم الاخلاق ومحاسن الآداب" كذا فى العوارف.
اعلم ان النفس خلقت من السفليات وجبلت ميالة الى الدنيا وشهواتها ولذاتها والى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها الله يوم الميثاق على الصدق والاخلاص فهى ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع فى المقاصد الدنيوية والاخروية فاذا تنورت بالانوار المنعكسة من تجلى صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن اوصافها المخلوقة وتبقى بالانوار الخالقية فيثبتها الله بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام اشارة الى مقام الوصول الذى هو حرام على اهل الدنيا والآخرة وهو مقام اهل الله وخاصته نسأل الله الوصول الى هذا المقام المكين والدخول فى هذا الحرم الامين: قال بعضهم

الزم الصدق والتقى واترك العجب والريا
واغلب النفس والهوى ترزق السؤال والمنى

فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق.
قال الشبلى قدس سره عقدت وقتا ان لا آكل الا من الحلال فكنت ادور فى البرارى فرأيت شجرة تين فمددت يدى اليها لآكل فنادتنى الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل منى فأنى ليهودى.
يقول الفقير فى هذه الحكاية شيآن. الاول ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة. والثانى تذكير الله تعالى اياه عند عقده وذلك بسبب صدقه فى ارادته واخلاصه فى طلبه فمن اراد ان يصل الى هذه الرتبة فليحافظ وقته ليراقب فان فى المراقبة حصول المطالب عصمنا الله واياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف فى حد الحق والثبات فى طريق التحقيق