التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧
-يونس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (والذين): مبتدأ على حذف مضاف، أي: جزاء الذين كسبوا، (وجزاء): خبر، أو على تقدير "لهم" أو معطوف على (للذين أحسنوا) على مذهب من يُجوز: في الدار زيد والحجرةِ عمرو. أو (جزاء): مبتدأ، و(بمثلها): خبر، والجملة حينئذٍ كبرى. ومن قرأ (قِطعَاً) بفتح الطاء فجمع قطيع، وهو مفعول ثان، و(مظلماً): حال من الليل، ومن قرأ (قِطعَاً) بالسكون فمصدر، و(مظلماً) نعت له، أو حال منه أو من الليل.
يقول الحق جل جلاله: { والذين كسَبوا السيئات } كالكفر والشرك، وما يتبعهما من المعاصي، جزاؤهم { سيئة بمثلها } لا يزاد عليها، فلا تضاعف سيئاتهم، عدلاً منه سبحانه، { وترهقُهم ذِلةٌ } أي: هوان عند حشرهم للنار، { ما لهم من الله من عاصم } يعصمهم من عذاب الله وغضبه، { كأنما أُغشيَت وجوهُهُم قِطعَاً من الليل مظلماً }، أي: يحشرون مسودة وجوههم، كأنما أُكْسِيَتْ وجوههم قطْعاً كثيرة من الليل المظلم، أو قطْعاً مظلماً من الليل { أولئك أصحابُ النار هم فيها خالدون }.
قال البيضاوي: هذا مما يحتج به الوعيدية ـ يعني المعتزلة ـ في تخليد العصاة. والجواب: أن الآية في الكفار؛ لاشتمال السيئات على الكفر والشرك، ولأن الذين أحسنوا يتناول الكثير من أهل القبلة، فلا يتناوله قسيمُه. هـ.
الإشارة: جزاء المعاصي البُعد والهوان، وتسْويد وجوه القلوب والأبدان، كما أن جزاء الطاعة التقريب والإبرار، وتنوير وجوه القلوب والأسرار والإحسان، وفي ذلك يقول ابن النحوي في منفرجته:

وَمَعَاصِي اللَّهِ سَماجَتُها تَزَدَانُ لِذي الخُلْقِ السَّمِج
وَلِطَاعَتِه وَصَبَاحَتِهَا أنْوارُ صَبَاحٍ مُنْبَلِجِ

قيل لبعض الصالحين: ما بال المجتهدين من أحسن الناس خلَقاً؟ قال: لأنهم خلَوْا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره. هـ. نعم، إن صحب المعصية توبةٌ وانكسارٌ، وصحب الطاعة عز واستكبارُ، انقلبت حقيقتهما، فقد تُقرب المعصية وتبعد الطاعة. وفي الحكم: "معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، وقال أيضاً: "وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول".
ثم ذكر موطن وعد المحسنين ووعيد المسيئين، فقال: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ }.