التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ
٧٤
-يونس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (بما كذبوا به) ذكر هنا الرابط، وحذفه في سورة الأعراف، إشارة إلى جواز الأمرين، وإليه أشار في الألفية، بقوله:

كذَا الذي جُرَّ بما الموصُولُ جَر كـ "مُرَّ بالّذي مررْتُ فَهْو بَر"

يقول الحق جل جلاله: { ثم بعثنا من بعده }: من بعد نوح عليه السلام { رسلاً }؛ كهود وصالح وإبراهيم وغيرهم { إلى قومهم }، كل رسول إلى قومه، { فجاؤوهم بالبينات }: بالمعجزات الواضحات المثبتة لدعواهم، { فما كانوا ليؤمنوا }؛ فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر،ولسبق شقاوتهم، فما آمنوا { بما كذَّبوا به من قبل } مجيئهم المعجزات، يعني أنهم طلبوا المعجزات ليؤمنوا، فلما جاءتهم استمروا على تكذيبهم، { كذلك نطبع على قلوب المعتدين } فلا تنفع فيهم معجزة ولا تذكير، وفيه دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله، مع إثبات كسب العبد لقيام عالم الحكمة ـ الذي هو رداء لتصرف القدرة ـ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كما بعث الله في كل أمة رسولاً يذكرهم ويدعوهم إلى الله، بعث الله في كل عصر وليَّاً عارفاً، يدعو الخلق إلى معرفة الله وتوحيده الخاص، فمن سبقت له العناية آمن به من غير طلب آية، ومن سبق له الخذلان لا يصدق به ولو راى ألف برهان. وبالله التوفيق.
ثم ذكر بعثة موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ؛ مفصلة لما قبلها من التأسي والتسلية، فقال: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ }.