التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
٣٠
-الرعد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (كذلك): مفعول مطلق بأرسلناك، أي: مثل ذلك الإرسال المتقدم أرسلناك. وقال ابن جزي: الكاف تتعلق بالمعنى الذي في قوله: { يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب }. هـ. أي: كما أن الإضلال والهداية بيده كذلك اختصاصك بالرسالة إلى أمة... إلخ، وجملة: (وهم يكفرون): حال من ضمير (عليهم) أي: لتتلو عليهم في حال كفرهم لعلهم يؤمنون. و (متاب): مفعل، من التوبة.
يقول الحق جل جلاله: قد أرسلنا قبلك رسلاً فأنذروا وبشروا قومهم، { كذلك أرسلناك } أي: مثل ذلك الإرسال أرسلناك في أمة، أو كما هدينا من أناب إلينا اختصصناك برسالتنا، { في أُمةٍ قد خَلتْ }؛ مضت { من قبلها } أي: تقدمها { أممٌ } أرسل إليهم رسلهم؛ فليس ببدع إرسالك إلى هذه الأمة الأمية، { لِتَتلُوَ عليهم الذي أوحينا إليك }: لتقرأ عليهم الكتاب، الذي أوحينا إليك، والحالة أنهم { يكفرون بالرحمن } أي: بالبليغ الرحمة التي أحاطت بهم نعمته، ووسعت كل شيء رحمته، فلم يشكروا ما أنعم به عليهم، وخصوصاً إرسالك إليهم، وإنزال القرآن عليهم، الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية. قيل: نزلت في أبي جهل، وقيل: في قريش حين قالوا: لا نعرف الرحمن، والمعنى: أرسلناك إليهم رحمة لتتلوا عليهم ما هو مناط الرحمة، { وهم يكفرون بالرحمن } ـ، والحال: أنهم يكفرون ببليغ الرحمة. { قل هو ربي } أي: الرحمن خالقي ومتولي أمري، { لا إله إلا هو }، لا مستحق للعبادة غيره، { عليه توكلتُ } في أموري، ومن جملتها نصري عليكم. { وإليه مَتَابِ }؛ مرجعي في أموري كلها، لا أرجع إلى أحد غيره، ولا أتعلق بشيء سواه.
الإشارة: قد بعث الله في كل عارفاً بالله يحيي به الدين، ويعرف الطريق إلى رب العالمين؛ فالأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة، غير أنهم تارة يخفون، لفساد الزمان، وتارة يظهرون؛ رحمة للأنام. فإذا وقع الإنكار عليهم، أو استغرب وجودهم، يقال لهم: كذلك أرسلنا في كل أمة نذيراً، وداعياً، فإرسالكم أنتم وإظهاركم ليس ببدع، لتعلموا الناس ما أوحي إليكم من طريق الإلهام؛ فإظهاركم رحمة، وهم يكفرون هذه النعمة. فاعتمدوا على الرحمن، وثقوا بالواحد المنان، وراجعوا إليه في كل حال وشأن. فمن توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه حماه.