التفاسير

< >
عرض

مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ
٣٥
-الرعد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (مثل الجنة): مبتدأ. قال سيبويه: الخبر محذوف، أي فيما يتلى عليكم صفة الجنة. وقال الفراء: الخبر هو: (تجري...) إلخ، وعلى قول سيبويه يكون (تجري): حالاً من العائد المحذوف، أي: التي وُعدها المتقون حَالَ كَوْنِها تجري... إلخ. والمراد بالمثل هنا: الصفة، لا ضرب المثل. و(ظِلُّها): مبتدأ حُذِف خبره، وظلها كذلك، والأكُل بضم الهمزة، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها، وأما الأكل بالفتح فمصدر.
يقول الحق جل جلاله: صفة الجنة التي وُعِدَها المتقون هي غرف وقصور { تجري من تحتها الأنهارُ } من ماء وخمر وعسل ولبن، { أُكُلُها دائمٌ }؛ ما يؤكل من ثمارها وأنواع أطعمتها لا ينقطع، { وظِلُّها } دائم، لا يُنسخ بالشمس كظلال الدنيا، { تلك } الجنة الموصوفة بهذه الأوصاف هي { عُقْبَى الذين اتقوا } الشرك والمعاصي، وهي مآلهم وعاقبة استقرارهم، { وعُقْبَى الكافرين النار } لا محيد عنها، وهي مآلهم وإليها رجوعهم. وفي ترتيب العقبيين إطماع للمتقين، وإقناط للكافرين.
الإشارة: مثل جنة المعارف التي وعدها المتقون لكل ما يشغل عن الله هي حضرة مقدسة، يتنعم فيها أسرار العارفين، تجري من تحت قلوبهم أنهار العلوم والحكم، لذتها وقُوت الأرواح فيها دائم، وهي الفكرة في ميادين أنوار التوحيد، وجولان الروح في فضاء أسرار التفريد، وظل روحها وريحانها دائم، وهو: سكون القلب إلى الله، وفرح الروح بشهود الله. وإليه أشار ابن الفارض بقوله،رحمه الله ، في صف خمرتها:

وَإِنْ خَطَرَتْ يَوْماً عَلَى خَاطِرِ امرئ أَقامَتْ بِهِ الأَفرَاحُ وارْتَحَلَ الْهَمُّ

تلك عقبى الذين أتقَّوا السِّوى، وعقبى المنكرين لوجود أهل هذه الجنة نار القطعية والبعد. أعاذنا الله من ذلك.