التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ
٣٩
رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ
٤٠
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ
٤١
-إبراهيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (لسميعُ الدعاء): من إضافة أمثلة المبالغة إلى مفعوله، أي: لسميع دعاء من دعاءه. و(من ذريتي): عطف على مفعول "اجعل"، أي: اجعلني وبعض ذريتي مقيمين للصلاة.
يقول الحق جل جلاله: حاكياً عن خليله عليه السلام: { الحمدُ لله الذي وهبَ لي على الكِبَر } أي: مع كبر سني عن الولد، { إسماعيل وإسحاق }، رُوي أنه وُلد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة، وإسحاق لمائة وثنتي عشرة سنة، وقيل: غير ذلك. وإنما ذكر كبر سنه؛ ليكون أعظم في إظهار النعمة، وإظهاراً لما فيه من الآية، ولذلك قال: { إنَّ ربي لسميعُ الدعاء } أي: يجيب من دعاه، من قولك: سمع الملك كلامي، إذا اعتنى به. وفيه إشعارٌ بأنه تقدم منه سؤال الولد، فسمع منه، وأجابه حين وقع اليأس منه، ليكون من أجلِّ النعم وأجلاها.
ثم طلب الاستقامة له ولولده بقوله: { ربِّ اجعلني مقيم الصلاة } أي: مُتقناً لها، مواظباً عليها، { ومن ذريتي } فاجعل من يُقيمها. والتبعيض؛ لعلمه بالوحي أنَّ مِنْ ولده من لا يقيمها، أو باستقرار عادته في الأمم الماضية أن منهم من يكون كفاراً. { ربنا وتقبل دعاء } أي: استجب، أو تقبل عبادتي. { ربنا اغفر لي ولوالدي }، وكان هذا الدعاء قبل النهي، أو قبل تحقق موتهما على الكفر، أو يريد آدم وحواء. { وللمؤمنين يوم يقول الحسابُ } أي: يثبت ويتحقق وجوده، مستعار من القيام على الرِّجل، كقولهم: قامت الحرب على ساق. أو يقوم إليه أهله، فحذف المضاف، أي: يقوم أهل الحساب إليه، وأسند إليه قيامهم؛ مجازاً.
الإشارة: إتيان النسل البشري، أو الروحاني، من أجلِّ النعم وأكملها على العبد، وفي الحديث:
"إذَا مَاتَ العَبْدُ انْقََطََعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثَلاثٍَ، صدقةٍ جَاريةٍ، أو عَلْم بَثَه في صُدُور الرِّجالِ، أو وَلدٍ صالح يدعُو له بَعدَ مَوتهِ" . والولد الروحاني أتم، لتحقق استقامته في الغالب. وطلب ذلك محمود كما فعل الخليل وزكريا، وغيرهما، وقد مدح الله مَنْ فعل ذلك بقوله: { { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [الفرقان: 74]. وقرة عين في الذرية: أن يكونوا على الاستقامة في الدين، وسلوك منهاج الصالحين. وكل ما أتوا به من الطاعة والإحسان فللوالدين حظ ونصيب من ذلك، ولا فرق بين الولد الروحاني والبشري، وفي ذلك يقول الشاعر:

والمَرْءُ في ميزانه أَتْبَاعُهُ فاقْدِرْ إذنْ قَدْرَ النبيّ مُحَمَّدِ

والله تعالى أعلم.
ثمَّ تمم قوله (يوم يقوم الحساب ) بذكر أهواله.