التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ
١٣
-البقرة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: الكاف من { كَمَا آمَنَ } صفة لمصدر محذوف، و { ما } مصدرية. أي: إذا قيل لهم آمنوا إيماناً خالصاً من النفاق مثل إيمان المسلمين، أو من أسلم من جلدتهم، والسفه: خفة وطيش في العقل، يقال: ثوب سفيه، أي: خفيف.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { وَإذَا قِيلَ } لهؤلاء المنافقين من المشركين واليهود: اتركوا ما أنتم عليه من الكفر والجحود، وراقبوا الملك المعبود، وطهروا قلوبكم من الكفر والنفاق، وأقصروا مما أنتم فيه من العباد والشقاق و { آمنوا } إيماناً خالصاً مثل إيمان المسلمين، لتكونوا معهم في أعلى عليين، "مَنْ أحَبَّ قَوْماً حُشرِ مَعهم". "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"، { قَالُوا } مترجمين عما في قلوبهم من الكفر والنفاق: { أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفُهَاءُ } الذين لا عقل لهم، إذ جُلهم فقراء ومَوَالي.
قال الحق تعالى في الرد عليهم وتقبيح رأيهم: { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ } لا غيرهم، حيث تركوا ما هو السبب في الفوز العظيم بالنعيم المقيم، وارتكبوا ما استوجبوا به الخلود في الدرك الأسفل من الجحيم { وَلَكَن لاَّ يَعْلَمُونَ }،
{ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشُّعَراء: 227]، عبَّر الحق في هذه الآية بـ { لا يعلمون } وفي الأولى بـ { لاَ يَشْعُرُونَ } [الأعرَاف: 95]؛ لأن الفساد في الأرض يدرك بأدنى شعور، بخلاف الإيمان والتمييز بين الحق والباطل؛ فيحتاج إلى زيادة تفكر واكتساب علم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وإذا قيل لأهل الإنكار على أهل الخصوصية، القاصدين مشاهدة عظمة الربوبية، قد تجرّدوا عن لباس العز والاشتهار، ولبسوا أطمار الذل والافتقار، آمنوا بطريق هؤلاء المخصوصين، وادخلوا معهم كي تكونوا من المقربين. قالوا: { أنؤمن كما آمن السفهاء } ونترك ما نحن عليه من العز والكبرياء، قال الله تعالى في تسفيه رأيهم وتقبيح شأنهم: { ألا إنهم هم السفهاء }؛ حيث تعززوا بعز يفنى، وتركوا العز الذي لا يفنى، قال الشاعر:

تَذَلَّلْ لِمَنْ تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزَّةً فَكَمْ عِزَّةً قَدْ نَالَهَا المَرْءُ بِالذُّلِّ
إذَا كانَ مَنْ تَهْوَى عَزِيزاً، ولم تكُنْ ذَلِيلاً لَهُ، فَاقْرَ السَّلامَ عَلَى الوَصْلِ

فلو علموا ما في طيّ الذل من العز، وما في طي الفقر من الغنى، لجالدوا عليه بالسيوف، ولكن لا يعلمون.