التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
-البقرة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { غُلف }: جمع ألف، كأحمر وحُمْر، وأصفر وصُفْر، وهو الذي عليه غشاوة، أي: هي في غلاف؛ فلا تفقه ما تقول، بمنزلة الأغلف، وهو غير المختون، وقيل: أصله { غُلُف } بضم اللام، وبه قرأ ابن محيصن. فيكون جمع غلاف، كحجاب وحجب، وكتاب وكتب، ومعناه، قلوبنا أوعية لكل علم فلا نحتاج إلى علمك وكتابك. و { قليلاً } صفة لمحذوف؛ أي: فإيماناً قليلاً، أو عدداً قليلاً يؤمنون، أو ظرف؛ لأنه من صفة الأحيان، والعامل فيه ما يليه، و { ما } لتأكيد القلة، أي: في قليل من الأحيان يؤمنون، أو حال من الواو في { يؤمنون } أي: فيؤمنون في حال قلتهم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: قالت اليهود استهزاء بما تدعوهم إليه: { قُلُوبُنَا } مغلفة ومغشاة فلا نفقه ما تقول، أو أوعية للعلوم فلا تحتاج إلى علمك، قال الله تعالى: { بل } لا غطاء على قلوبهم حساً، بل هي على الفطرة لكن { لعنهم الله } وطردهم وخذلهم بسبب { كُفْرِهِمْ } فأبطل استعدادها للعلم، { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } أي: فإيماناً قليلاً يؤمنون كإيمانهم ببعض الكتاب، أو فلا يؤمن إلا قليل منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، والله تعالى أعلم.
الإشارة: إذا أمر الدعاة إلى الله أهل الدنيا بذبح النفوس وحط الرؤوس ودفع الفلوس، ليتأهلوا به لدخول حضرة القدوس، أو أمروهم بخرق العوائد، لتخرق لهم العوائد، أنفوا وعنفوا وقالوا: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، فيقال لهم: بل سبق لكم من الله البعد والحرمان، فأنكرتم أسباب الشهود والعيان، لكن مَن سبقت له من الله العناية، وهبَّ عليه نسيم الهداية، فلا تضره الجناية، فقد يلتحق بالخصوص، وإن كان من أعظم اللصوص، وهو قليل بالنسبة إلى من جاهد نفسه في طلب السبيل،
{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِراً } [الكهف: 45].