التفاسير

< >
عرض

فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٣٨
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ
٣٩
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ
٤٠
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ
٤١
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٤٢
قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٤٣
فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
-الشعراء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { فجُمِعَ السحرةُ لميقات يوم معلومٍ }، وهو ما عيّنه موسى عليه السلام بقوله: { { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [طه: 59]. والميقات: ما وُقت به، أي: حُدّ من زمان ومكان. ومنه: مواقيت الحج. { وقيلَ للناسِ هل أنتم مُجْتَمِعُون } أي: اجتمعوا. وعبّر بالاستفهام؛ حثّاً على الاجتماع. واستبطاء لهم، والمراد: استعجالهم إليه، { لعلنا نتبعُ السحرةَ } في دينهم { إن كانوا هم الغالبين } أي: إن غلبوا موسى، ولا نتبعُ موسى في دينه، وليس غرضهم اتباع السحرة، وإنما الغرض الكلي ألا يتبعوا موسى، فساقوا كلامهم مساق الكناية؛ حملاً لهم على الاهتمام والجد في المغالبة؛ لأنهم إذا اتبعوا السحرة لم يكونوا متبعين لموسى، وهو مرادهم، ولأن السحرة إذا سمعوا ذلك حملهم التروس على الجد في المغالبة.
{ فلمَّا جاءَ السَّحَرةُ قالوا لفرعون أئِنَّ لنا لأجراً } أي: جزاء وافراً { إِن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ } لموسى؟ { قال نعم } لكم ذلك، { وإنكم } مع ذلك، { إذاً لمن المقربين } عندي في المرتبة والحال، فتكونون أول من يدخل عليّ، وآخر من يخرج عني. ولما كان قوله: { أئِنَّ لنا لأجراً }، في معنى جزاء الشرط؛ لدلالته عليه، وكان قوله: { وإنكم إذاً }: معطوفاً عليه، دخلت "إذاً"؛ قارة في مكانها، الذي تقتضيه من الجواب والجزاء.
{ قال لهم موسى } بعد أن قالوا له:
{ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } [طه: 65]: { أَلْقُوا ما أنتم مُلْقُونَ } من السحر، فسوف ترون عاقبته. لم يُرد به الأمر بالسحر والتمويه، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه البتة؛ توسلاً به إلى إظهار الحق وإبطال الباطل، { فَأَلْقَواْ حِبَالَهم وعِصِيَّهُم } ، وكانوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصاً. وقيل: كانت الحبال اثنين وسبعين، وكذا العصِيِّ. { وقالوا } بعد الإلقاء، لما رأوها تتحرك وتقبل وتُدبر: { بعزَّةِ فرعونَ إنا لنحن الغالبون }، قالوا ذلك؛ لفرط اعتقادهم في أنفسهم، وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر، أقسموا بعزته وقوته، وهو من أيمان الجاهلية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: السحر على قسمين: سحر القلوب إلى حضرة الحق، وسحر النفوس إلى عالم الخلق، أو: إلى عالم الخيال. فالأول: من شأن العارفين بالله، الداعين إلى الله، فهم يسحرون قلوب من أتى إليهم إلى حضرة القدس، ومحل الأنس، فيقال في شأنهم: فجمع السحرة بقلوبهم، إلى ميقات يوم معلوم، وهو يوم الفتح والتمكين، أو يوم النفحات، عند اتفاق جمعهم في مكان معلوم. وقيل للناس، وهم عوام الناس: هل أنتم مجتمعون لتفيقوا من سكرتكم، وتتيقظوا من نوم غفلتكم، لعنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، ولا شك في غلبتهم ونصرهم؛ لقوله تعالى:
{ { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [الحج: 40].
ثم ذكر إبطال سحرهم، وإسلامهم، فقال: { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ... }