التفاسير

< >
عرض

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
١٣٨
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
١٣٩
-آل عمران

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: السُّدن: الطرق المسلوكة، وقيل: الأمم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: قد مضت { من قبلكم سُننُ } جرت على الأمم المكذبة لأنبيائها قبلكم، { ولن تجد لسنة الله تبديلاً }، وهو إمهالي واستدراجي إياهم، حتى يبلغ الكتاب الذي أجل لهم، فإذا بلغهم أهلكتهم، وأدلتُ الأنبياء وأتباعَهم عليهم، فإذا هلكوا بقيت آثارهم دراسة، اعتباراً لمن يأتي بعدهم، { فسيروا في الأرض } وتعرفوا أخبارهم، وانظروا { كيف كان عاقبة المكذبين } لأنبيائهم قبلكم، فكذلك يكون شأنكم مع مَنْ كذَّبكم.
{ هذا } الذي أمرتكم به من الاعتبار، { بيان للناس } لمن أراد أن يعتبر من الكفار، وزيادة هداية واستبصار { للمتقين }.
ثم سلاَّهم وبشرهم فقال: { ولا تهنوا } أي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم بما أصابكم، { ولا تحزنوا } على من قُتل منكم، وهم سبعون من الأنصار وخمسة من المهاجرين، منهم: حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير - صاحب راية النبيّ صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن جحش، وعثمان بن شماس، وسعد مولى عتبة - رضي الله عنهم -. أو: { لا تحزنوا } لفوات الغنيمة { وأنتم الأعلون } بأن تكون لكم العاقبة والنصر، أو: وحالكم أنكم أعلى منهم شأناً، فإنكم على الحق وقتالكم لله، وقتالكم في الجنة، وهم على الباطل، وقتالهم للشيطان، وقتلاهم في النار، فلا تفشلوا عن الجهاد { إن كنتم مؤمنين }؛ فإن الإيمان يقتضي قوة القلب بالوثوق بالله والاعتماد عليه، أو: { إن كنتم مؤمنين } بما وعدتكم من العلو والنصر. والله أعلم.
الإشارة: قد خلت من قبلكم، أيها المريدون، سنن الله في أوليائه مع المنكرين عليهم من عوام عباده، فإنه أبعدهم عن ساحة حضرته، وحرمهم من سابق عنايته، حتى ماتوا على البُعد، فاندرست آثارهم وخربت ديارهم، فسيروا في الأرض وانظروا كيف كان عاقبة المكذبين لأوليائه، هذا بيان للمعتبرين، وزيادة هدى وموعظة للمتقين، فلا تهنوا أيها الفقراء وتضعفوا عن طلب الحق بالرجوع عن طريق الجد والاجتهاد، لما يصيبكم من أذى أهل العناد، وأنتم الأعلون بالنصر والتأييد، ورفع درجاتكم مع خواص أهل التوحيد، إن كنتم مؤمنين بوعد الملك المجيد، فمن طلب الله وجده، وأنجز بالوفاء موعده، لكن بعد تجرع كؤوس مرارة الصبر، ودوام الحمد والشكر، وأنشدوا:

لا تَحْسَبِ تَمْراً أَنْتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَ