التفاسير

< >
عرض

وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٦
-سبأ

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { ويرى }: مرفوع، استئناف، أو منصوب، عطف على { ليجزي }. و { الحق }: مفعول ثان ليرى العلمية. والمفعول الأول: { الذي أُنزل } وهو ضمير فصل.
يقول الحق جلّ جلاله: { ويَرَى الذين أُوتوا العلم } من الصحابة، وممن شايعهم من علماء الأمة ومن ضاهاهم، أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، أي: يعلمون { الذي أُنزل إِليك من ربك } يعني القرآن { هو الحق } لا يرتابون في حقيّته؛ لِما نطوى عليه من الإعجاز، وبموافقته للكتب السالفة، على يد مَن تحققت أميته. أو: ليجزي المؤمنين، وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق، علماً لا يزاد عليه في الإيقان، لكونه محل العيان، كما علموه في الدنيا من طريق البرهان. { ويهدي إِلى صراط العزيز الحميد } وهو دينُ الله، من التوحيد، وما يتبعه من الاستقامة.
الإشارة: أول ما يرتفع الحجاب عن العبد بينه وبين كلام سيده، فيسمع كلامه منه، لكن من وراء رداء الكبرياء، وهو رداء الحس والوهم، فيجد حلاوة الكلام ويتمتع بتلاوته، فيلزمه الخشوع والبكاء والرِقة عند تلاوته. قال جعفر الصادق: "لقد تجلّى الحق تعالى في كلامه ولكن لا تشعرون". ثم يرتفع الحجاب بينه وبين الحق تعالى، فيسمع كلامه بلا واسطة ولا حجاب، فتغيب حلاوة الكلام في حلاوة شهود المتكلم، فينقلب البكاء سروراً، والقبض بسطاً. وعن هذا المعنى عبّر الصدِّيق عند رؤيته قوماً يبكون عند التلاوة، فقال: "كذلك كنا ولكن قست القلوب" فعبّر عن حال التمكُّن والتصلُّب بالقسوة؛ لأن القلب قبل تمكُّن صاحبه يكون سريعَ التأثُّر للواردات، فإذا تمكّن واشتد لم يتأثر بشيء. وصراط العزيز الحميد هو طريق السلوك إلى حضرة ملك الملوك. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مقالة أخرى للكفرة فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ... }