التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً
١٧٤
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
١٧٥
-النساء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } وهو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وما اقترن به من المعجزات الواضحات، { وأنزلنا إليكم } على لسانه { نورًا مبينًا } وهو القرآن: أو جاءكم برهان من ربكم: المعجزات الطاهرة، { وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا }: القرآن العظيم، أي: جاءكم دليل العقل وشواهد النقل، فلم يبق لكم عذر ولا علة.
{ فأما الذين آمنوا بالله } أي: وحدوه في ربوبيته، { واعتصموا } أي: تمسكوا بدينه أو بكتابه، { فيسدخلهم في رحمة منه } وهي الجنة، { وفضلٍ }: النظر لوجهه الكريم، قال البيضاوي: { في رحمة } أي: ثواب قدّره بإزاءِ وإيمانه وعمله، رحمة منه، لا قضاء لحق واجب، وفضل إحسان زائد عليهما. هـ. وقال القشيري: سيحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم به وبالعرفان في الحال.هـ. { ويهديهم إليه } أي: إلى الوصول إليه، { صراطًا مستقيمًا } أي: يُبيّن لهما الوصول إليه، وهو طريق السير الذي لا عوج فيه؛ العلم والعمل والحال، وقال البيضاوي: هو الإسلام والطاعة في الدنيا، وطريق الجنة في الآخرة. هـ.
الإشارة: قد جاءكم من يعرفكم بالله، ويدلكم على الله، وهم أولياء الله، ببرهان واضح لا يخفى إلا على من كان خفاشيًا، وأنزلنا إليكم من سر قُدسنا، وبحر جبروتنا نورًا مبينًا، تُشاهدون فيه أسرار الذات وأنوار الصفات، وهو ما ظهر من التجليات من القبضة الأولية المحمدية، { فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به } في حال سيرهم إليه { فسيدخلهم في رحمة منه } وهي حضرة القدس، { وفضل } وهو الترقي في أسرار المعارف إلى ما لا نهاية له، ويهديهم إلى الوصول إليه، وهو شهوده في ذلك النور، طريقًا توصل إليه في أقرب زمان. ولعل الآية فيها تقديم وتأخير، أي: فسيهديهم إليه طريقًا مستقيمًا يسيرون فيه، حتى يصلوا إليه، ثم يدخلهم في رحمة حضرته، وفضل زيادة معرفته. والله تعالى أعلم.