التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
-الجاثية

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد آتينا بني إِسرائيل الكتابَ والحُكْمَ } أي: الفصل بين العباد، لأن الملك لم يزل فيهم حتى غيّروا، أو: الحكمة النظرية والعملية والفقه في الدين، { والنبوة } حيث كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثر في غيرهم. { ورزقناهم من الطيبات } ما أحلّ الله لهم من اللذائذ، كالمن والسلوى، وغيره من الأرزاق، { وفضلناهم على العالَمين } على عالمي زمانهم.
{ وآتيناهم بيناتٍ من الأمر } دلائل ظاهرة من أمر الدين، ومعجزات قاهرة. قال ابن عباس: هو العلم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وما بُيّن لهم من أمره، وأنه يُهاجر من تهامة إلى يثرب، ويكون أنصاره أهل يثرب، { فَما اختلفوا } في ذلك الأمر { إِلا من بعد ما جاءهم العلمُ } بحقيقته وحقيّته، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجباً له، { بغياً بينهم } أي: عداوة وحسداً، حديث بينهم، لا شك وقع لهم فيه، { إِن ربك يقضي بينهم يوم القيامة } بالمؤاخذة والجزاء { فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين.
الإشارة: كانت بنو إسرائيل في أول أمرها متمسكة بكتاب ربها، عاملة بما شرعت لها أنبياؤها، فرفع الله بذلك قدرها، حتى تحاسدوا، وتهاجروا على الدنيا والرئاسة، فأعقبهم الله ذل الأبد، فهذه سُنَّة الله تعالى في عباده، مَن تمسّك بالكتاب والسنّة، وزهد في الدنيا، وتواضع لعباد الله، رفعه الله وأعزّه، فإذا خرج عن هذا الوصف انعكس حاله إلى أسفل، والعياذ بالله.
ولما ذكر شريعة موسى أعقبه بشريعة نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقال: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ }.