التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ
٢
-الأنعام

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { أجل }: مبتدأ. و { مُسَمى }: صفته. و { عنده }: خبر، وتخصيصه بالصفة أغنَى عن تقديم الخبر.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { هو الذي خلقكم من طين } أي: ابتدأ خلقكم منه، وهو آدم، لأنه المادة الأولى، وهو أصل البشر. { ثم قضى أجلاً } تنتهون في حياتكم إليه. وهو الموت. { وأجل مسمى } مُعيَّن للبعث، لا يقبل التغيير، ولا يتقدم ولا يتأخر،(عنده) استأثر بعلمه، لا مدخل لغيره فيه بعلم ولا قدرة، وهو المقصود بالبيان، { ثم أنتم تمترون } أي: تشكُّون في هذا الأجل المسمى الذي هو البعث.
و { ثم }: لاستبعاد امترائهم بعد ما ثبت عنه أنه خالقهم، وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم، فإن مَن قدر على خلق المواد وجمعها، وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما شاء، كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيًا. قاله البيضاوي.
الإشارة: القوالب من الطين، والأرواح من نور رب العالمين، فالطينية ظرف لنور الربوبية، الذي هو الروح؛ لأن الروح نور من أنوار القدس، وسر من أسرار الله، فمن نظَّف طينته ولطَّفها ظهرت عليها أسرار الربوبية والعلوم اللدنية، وكُشف للروح عن أنوار الملكوت وأسرار الجبروت، وانخنَست الطينية، واستولت عليها الروح النورانية، ومن لطّخ طينته بالمعاصي وكثّفها باتباع الشهوات، انحجبت الأنوار واستترت، واستولت الطينية الظُلمانية على الروح النُورانية، وحجبتها عن العلوم اللدنية والأسرار القدسية، بحكمته تعالى وعدله وظهور قهره. وبالله التوفيق.
ثم برهن على وحدانيته الخاصة، فقال: { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ }.