التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
٣
-الأنعام

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { هو }: مبتدأ، و { الله }: خبره. و { في السماوات }: خبر ثان، أي: وهو الله كائن أو موجود في السماوات وفي الأرض بنوره وعلمه. قال تعالى: { اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [النور:35]. و { يعلم سركم وجهركم }: تقرير له.
يقول الحقّ جلّ جلاله: هذا الذي اختص بالحمد وأبدع الكائنات كلها ـ { هو الله } ظاهر { في السماوات وفي الأرض } بنوره وقدرته وعلمه وإحاطته، فلا شريك معه { يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } من خير أو شر، فيثيب عليه ويعاقب، ولعله أراد بالسر والجهر ما يظهر من أحوال النفس، وبالمكتسب أعمال الجوارح. فالآية الأولى دليل القدرة التي ختم بها السورة، والآية الثانية دليل البعث، والآية الثالثة دليل الوَحدة.
الإشارة: قال بعض العارفين: الحق تعالى مُنزَّه عن الأّين والجهة، والكيف، والمادة، والصورة، ومع ذلك لا يخلو منه أين، ولا مكان، ولا كم، ولا كيف، ولا جسم، ولا جوهر، ولا عرض، لأنه للطفه سار في كل شيء، ولنوريته ظاهر في كل شيء، ولإطلاقه وإحاطته متكيف بكل كيف، غير متقيد بذلك، فمن لم يعرف هذا ولم يذقه ولم يشهده، فهو أعمى البصيرة، محروم من مشاهدة الحق تعالى. ولابن وفا:

هُوَ الحَقُّ المُحُيطُ بِكُلِّ شيءٍ هُوَ الرحمَنُ ذُو العَرشِ المَجيدِ
هَوَ المَشهُودُ في الأشهَادِ يَبدُو فَيُخفِيه الشهُودُ عَن الشِّهِيدِ
هَوَ العَينُ العيَانُ لِكُلِّ غَيبٍ هُوَ المَقصُودُ مِن بَيتِ القَصِيدِ
جَميعُ العَالِمَينَ له ظِلالٌ سُجُودٌ في القَريبِ وَفي البَعِيدِ
وَهَذا القَدرُ في التَّحقِيقِ كافٍ فَكُفَّ النَّفسَ عَن طَلَبِ المَزيدِ

ثم ذم مَن أعرض عن دلائل توحيده، فقال: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ }.