التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٤
-الأنعام

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: من فتح { أنه }، جعله بدلاً من الرحمة، ومن كسره؛ فعلى الاستئناف، و { بجهالة }: حال، ومن قرأ { فإنه } بالكسر؛ بالجملة: جواب الشرط، ومن فتح؛ فخبر عن مضمر، أي: فجزاؤه الغفران، أو مبتدأ؛ فالغفران جزاؤه.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا }؛ وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، خصهم بالإيمان بالقرآن، بعد ما وصفهم بالمواظبة على الطاعة والإحسان، فإذا أقبلوا إليك { فقل } لهم: { سلام عليكم }؛ تحية مني عليكم، أو من الله أبلغه إليكم، { كَتب ربكم على نفسه الرحمة } أي: حتمها عليه فضلاً منه، وهي { أنه من عمل منكم سوءًا } أي: ذنبًا { بجهالة } أي: بسفاهة وقلة أدب، أو جاهلاً بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد، { ثم تاب من بعده } أي: من بعد عمل السوء { وأصلح } بالتدارك والندم على ألا يعود إليه، { فأنه غفور } لذنبه، { رحيم } به بقبول توبته.
قال البيضاوي: أمرَه أن يبدأ بالتسليم، أو يُبلغ سلام الله ويبشرهم بسعة رحمته وفضله، بعد النهي عن طردهم؛ إيذانًا بأنهم الجامعون لفضيلَتَي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يُقَّرب ولا يُطرَد، ويُعز ولا يُذل، ويُبشِّر من الله بالسلامة في الدنيا وبالرحمة في الآخرة، وقيل: إن قومًا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبَنا ذنوبًا عِظامًا، فلم يَرُدَّ عليهم، فانصرَفوا، فنزلت. هـ.
قال القُشَيري: أحلَّه محل الأكابر والسَّادات، فإنَّ السلام من شأن الجَائِي إلاَّ في صفة الأكابر، فإنَّ الجائي والآتي يسكت لهيبة المأتِي، حتى يبتدىء ذلك المقصودُ بالسؤال، فعند ذلك يجيب الآتي. هـ.
الإشارة: مِن شأن الأكابر من الأولياء، الداعين إلى الله، إكرامُ مَن أتى إليهم بحُسن اللقاء وإظهار المَسَّرة والبُرور، وخصوصًا أهل الانكسار فيُؤنسونهم، ويُوسعون رجاءهم، ويفرحونهم بما يسمعون منهم من سعة فضل الله وكرمه.
كان الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه إذا دخل عليه أحد من أهل العصيان ـ كأرباب الدولة والمخزن ـ، قام إليهم، وفرح بهم، وأقبل عليهم، وإذا أتى إليه أحد من العلماء أو الناسكين لم يَعتَنِ بشأنهم، فقيل له في ذلك، فقال: أهل العصيان يأتوننا فقراء منكسرين من أجل ذنوبهم، لا يرون لأنفسهم مرتبة، فأردت أن أجبر كسرهم، وهؤلاء أهل الطاعة يأتوننا أغنياء معتمدين على طاعتهم، فلا يحتاجون إلى ما عندنا، أو كلامًا هذا معناه، ذكره في لطائف المنن. والله تعالى أعلم.
ثم بيَّن عِلَّة ما تقدَّم من النهي عن الطرد وغيره، فقال: { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ }.