التفاسير

< >
عرض

وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٨١
-الأعراف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحقّ جلّ جلاله: { وممن خلقنا } أي: ومن جملة ما خلقنا: { أمة }: طائفة { يهدون } الناس { بالحق } ويحملونهم عليه، { وبه يَعْدِلُون } في حكوماتهم وقضاياهم. رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى
"
. قال البيضاوي: ذكر ذلك بعدما ما بيَّن أنه خلق للنار طائفة ضالين، ملحدين عن الحق، للدلالة على أنه خلق أيضًا للجنة أمة، هادين بالحق، عادلين في الأمر، واستدل به على صحة الإجماع، لأن المراد منه أن في كل قرن طائفة بهذه الصفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لاَ تَزالُ مِنْ أمَّتِي طَائِفةٌ عَلى الحَقِّ، إِلى أن يأتيَ أَمرُ اللهِ " إذ لو اختص بعهد الرسول أو غيره لم يكن لذكره فائدة، فإنه معلوم. هـ.
الإشارة: هذه الأمة التي خلقها الله لهداية خلقه، وهي اطائفة التي لا تزال على الحق، وهي مؤلفة من العلماء الأتقياء على اختلاف أصنافهم وعلومهم، ومن الأولياء العارفين، بالعلماء يهدون إلى التمسك بالشرائع وإتقانها، والأولياء العارفون يهدون إلى التحقق بالحقائق وأذواقها، فالعلماء داعون إلى أحكام الله، والعارفون داعون إلى معرفة ذات الله، العلماء لإصلاح الظواهر، والأولياء لإصلاح البواطن، ولا يقوم هذا إلا بهذا، فالظاهر من غير باطن فسق، والباطن من غير ظاهر إلحاد، وسيأتي عند قوله:
{ { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِ فِرْقَةٍ... } [التّوبَة:122] الآية، تمثيل منزلتهم عند الله، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر ضدهم، فقال: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا }.