التفاسير

< >
عرض

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
٤٨
أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ
٤٩
-الأعراف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { ما أغنى } استفهامية أو نافية، و { ما كنتم }: مصدرية، و { ادخلوا }: محكى بقول محذوف، أي: قيل لهم ادخلوا...الخ.
يقول الحقٌ جلّ جلاله: { ونادى أصحابُ الأعراف رجالاً } من رؤساء الكفرة، { يعرفونهم بسيماهم }؛ بعلامة فيهم من سوء حالهم، { قالوا } لهم: { ما أغنى عنكم جمعكم } أي: كثرتكم، أو جمعكم للمال، شيئًا أو أيّ شيء أغنى عنكم جمعكم، { وما كنتم تستكبرون }؟ أي: واستكباركم؟ { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالُهم اللهُ برحمةٍ } وهم ضعفاء المسلمين الذين كانت الكفرة تستحقرهم في الدنيا، ويحلفون أن الله لا يدخلهم الجنة، قد قيل لهم: { ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون }. أو تقول الملائكة لأهل الأعراف: { ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون }، بعد أن حُبسوا على الأعراف حتى أبصروا الفريقين وعرفوهم، وقالوا لهم ما قالوا، تفضل الله عليهم، فقيل لهم: ادخلوا الجنة.
وقيل: لما عيَّر أصحابُ الأعراف أهل النار، أقسموا ـ أي: أهل النار ـ أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة، فقال لهم الله تعالى: { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم برحمة ادخلوا } يا أهل الأعراف { الجنة }. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أصحاب الأعراف: قوم من الصالحين حصل لهم محبة القوم، ليسوا من عوام أهل اليمين ولا من خواص المقربين، فإذا نظروا إلى أهل الطعن على الفقراء المتوجهين، والترفع عليهم، قالوا لهم: ما أغنى عنكم جمعكم واستكباركم، أهؤلاء الذين كنتم تطعنون عليهم، وأقسمتم أنهم ليسوا على شيء؟ قد قيل لهم: ادخلوا جنة المعارف لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، وأنتم حصل لكم الخيبة، والحرمان، والأسر في أيدي النفوس، والحصر في سجن الأكوان. عائذًا بالله من ذلك.
ثم ذكر استغاثة أهل النار بأهل الجنة، فقال: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ }.