التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٣
ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ
١٤
-الأنفال

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (ذلكم): مبتدأ حُذف خبره، أي: ذلكم العقاب أو العذاب، أو خبر، أي: الأمر ذلكم، أو منصوب بمضمر يفسره فذوقوه، و(الكافرون): عطف على (ذلكم)، أو نصب على المفعول معه، وقرئ بالكسر؛ استئنافاً.
يقول الحق جل جلاله: { ذاك } الضرب لأعناق الكفار، أو الأمر به { بأنهم }؛ بسبب أنهم { شاقوا } أي: خالفوا { الله ورسوله }، وصاروا كأنهم في شق وهو في شق؛ مبالغة في المخالفة والمباعدة، { ومن يشاقق الله ورسوله } ويبعد عنهما { فإن الله شديد العقاب } لكم من خالفه أو خالف رسوله، وهو تقرير للتعليل، أو وعيد بما أعد الله لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا، { ذلكم } العذاب { فذوقوه } وباشروا مرارته، { وأنَّ للكافرين عذابَ النار }، والمعنى: ذُوقوا ما عجل لكم من النقمة في الدنيا مع ما يحل عليكم في الآخرة من عذاب النار، ووضع الظاهر موضع المضمر؛ للدلالة على أن الكفر سبب العذاب العاجل والآجل.
الإشارة: مخالفة الله ورسوله توجب الطرد والبعاد، وموافقة الله ورسوله توجب القربة والوداد، وهذا الموافقة التي توجب للعبد المحبة والوداد تحصل بخمسة أشياء: امتثال أمره، واجتناب نهيه، والإكثار من ذكره، الاستسلام لقهره، والاقتداء بنبيه صلىالله عليه وسلم والتأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، وبأضداد هذه الأشياء يحصل للعبد المخالفة التي توجب طرده وبُعده، وهي مخالفة أمره، وارتكاب نهيه، والغفلة عن ذكره، والتسخط عند نزول قهره، وعدم الاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم؛ بارتكاب البدع المحرمة والمكروهة، حتى يُفضى به الحال إلى المشاققة والمباعدة، { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } بالله التوفيق.
ثم نهى عن الفرار في الحرب، فقال: { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ }.