التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٧٤
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧٥
-الأنفال

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قال البيضاوي: لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام، ـ أي: مهاجرين، وأنصار، ومن آمن ولم يهاجر ـ بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم، بتحصيل مقتضاه من الهجرة، والجهاد، وبذل المال، ونصرة الحق، ووعد لهم الوعد الكريم، فقال: { لهم مغفرة ورزق كريم }؛ لا تبعة له، ولا فتنة فيه. ثم ألحق بهم في الأمرين من يلتحق بهم ويتسم بسمتهم فقال:
{ والَّذيِنَ ءَامَنُوا مِن بَعدُ وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا مَعَكُم فَأُولَئِكَ مَنكُم... }
أي: من جملتكم أيها المهاجرين والأنصار. هـ.
ثم نسخ الميراث المتقدم، فقال:
{ ... وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
يقول الحق جل جلاله: { وأولُوا الأرحامِ } من قرابة النسب، { بعضُهم أوْلى ببعض } في التوارث من الأجانب، وظاهره: توريث ذوي الأرحام، كالخال والعمة وسائر ذوي الأرحام، وبه قال أبو حنيفة، ومنعه مالك، ورأى أن الآية منسوخة بآية المواريث التي في النساء، أو يراد بالأولية: غير الميراث، كالنصرة وغيرها. وقوله: { في كتابِ الله } أي: في القرآن، أو اللوح المحفوظ. { إن الله بكل شيء عليم } من أمر المواريث وغيرها، أو عليم بحكمة إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة أولاً، بالقربة ثانياً، والله تعالى أعلم.
الإشارة: الناس ثلاثة: عوام، وخواص، وخواص الخواص. فالعوام: هم الذين لا شيخ لهم يصلح للتربية. والخواص: هم الذين صحبوا شيخ التربية، ولم ينهضوا إلى مقام التجريد. وخواص الخواص: هم الذين صحبوا شيخ التربية وتجردوا ظاهراً وباطناً، خربوا ظواهرهم، وعمّوا بواطنهم، وهم الذين خاضوا بحار التوحيد، وذاقوا أسرار التفريد. وهم الذين أشار المجذوب إلى مقاومهم بقوله:

يا قارئين علم التوحيد هنا البحور اليَّ تغْبي

هذامقام أهل التجريد الواقفين مع ربي

فأهل التجريد، كالمهاجرين والأنصار، وأهل الأسباب من أهل النسبة، كمن لم يهاجر من الصحابة، ومن تجرد بعدُ ودخل معهم، والتحق بهم. قال تعالى؛ قا ل تعالى؛ { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم }، ومن لا نسبة له كمن لا صحبة له، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله، وصحبه، وسلم تسليماً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.