التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٣١
فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٣٢
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٣
-يونس

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } إلى قوله { لاَ يُؤْمِنُونَ }.
{ هُنَالِكَ }: نصب على الظرف، واللام زائدة، وكسرت لالتقاء الساكنين، والكاف للخطاب. والمعنى: في ذلك الوقت.
ومن / قرأ "تتلو" بتاءين فمعناه: في ذلك الوقت تتبع كل نفس ما قدمت من عمل.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يَمْثُلُ لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله سبحانه فيتبعونه حتى يردوا بهم إلى النار. ثم تلا هذه الآية" .
والعرب تقول: فلان "يتلو طريقة أبيه": أي: يتبع، ومنه قوله: { { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [هود: 17].
وقيل: معنى { تَتْلُو } تقرأ. أي: في ذلك الوقت يقرأ كل إنسان ما أسلفه في الدنيا من عمل، أي: يقرأ كتاب حسابه كما قال:
{ { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13].
وقال ابن زيد: تتلو: تعاين ما عملت.
ومن قرأ "تبْلو" بالباء فمعناه: تختبر كل نفس ثواب ما عملت من خير، أو شر. وتصديق ذلك قوله:
{ { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9]، والقراءتان متقاربتان، لأن من اختبر شيئاً فقد اتبعه ليختبره ومن اتبع شيئاً فهو أقرب الناس إلى اختباره وقراءته ومعاينيه.
قوله: { مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يجوز نصب الحق على المصدر المؤكد لردوا، أو لمولاهم. ويجوز نصبه على المدح بمعنى "أغنى" ويجوز الرفع على "هو مولاهم الحق"، والخفض على النعت لله عز وجل.
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ }: أي: بطل ما كانوا يفترون، أي: يتخرصون من الأنداد والآلهة. و "ما" والفعل مصدر في موضع رفع بـ (ضَلَّ).
ثم قال تعالى: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }: أي: من ينزل من السماء الغيث، ومن خلق المصالح التي بها تم معاشكم: من شمس وريح، وحر وبرد. ومن الأرض والنبات، والعيون والمنافع.
{ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ }: أي: يملكها، ويزيد في قواها، أو يسلبكموها ومن يملك الأبصار أن تضيء لكم، أو يذهب بنورها. ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. قد تقدم ذكرها في آل عمران.
قوله: { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ }: أي: "أمر السماء والأرض وما فيهن" { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ }: أي: الذي فعل ذلك الله عز وجل فقل لهم يا محمد: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ }: أي: "أفلا تخافون عقاب الله سبحانه على شرككم".
{ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ }: وقف.
ثم قال تعالى: { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ }: أي: ذلكم الله الذي فعل هذه الأشياء واخترعها هو { رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ }: أي: الذي لا شك فيه.
{ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } (المعنى: أي: منزلة بعد الحق إلا الضلال. أي: من ترك الحق حل في الضلال).
{ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } أي: من أين تصرفون عن الحق، وأنتم مقرون بالله سبحانه مخترع جميع هذه الأشياء. ثم تعبدون من لا يخلق شيئاً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً.
{ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } الكاف من كذلك في موضع نصب والتقدير: كما صرف هؤلاء عن الحق إلى الضلال { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ }: أي: خرجوا من دين الله سبحانه. { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }: أن في موضع نصب على معنى بأنهم، أو لأنهم.
وقال الزجاج: يجوز أن تكون في موضع رفع على البدل من الكلمات، وأجاز الأخفش، والفراء في الكسر في أن على الإلزام لترك الإيمان.
وقيل: المعنى "حق عليهم أنهم لا يؤمنون". "فإن": في موضع رفع خبر "حق".
ومعنى: (حقت عليهم كلمات ربك): أي: وجب عليهم في علمه، وفي السابق في اللوح المحفوظ { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.