تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً } إلى قوله { تَكْسِبُونَ }.
قوله: { مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } الهاء: تعود على العذاب، وقيل: على اسم الله عز وجل. ويشهد لرجوعها على "العذاب" قوله: { { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [الحج: 47، العنكبوت: 53]، ويشهد لرجوعها على الله سبحانه قوله: { { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } [المعارج: 1-2]، فإذا جعلتها عائدة على "العذاب"، "فما" في موضع رفع بالابتداء، وإذا جعلتها بمعنى "الذي" خبر "ما" ويجوز أن تكون "ما" و "ذا" شيئاً واحداً في موضع رفع. والخبر في الجملة، وإن جعلت "الهاء" تعود على اسم الله سبحانه وجعلت "ما" و "ذا" اسماً واحداً كانت "ما" في موضع نصب بمستعجل والمعنى: أي شيء يستعجل من الله المجرمون، وإن جعلت "ما" اسماً، و "ذا" بمعنى "الذي" كانت كالأولى: ابتداء وخبر. وكون الهاء تعود على العذاب أحسن لقوله: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }. والمعنى: قل لهم يا محمد: أرأيتم إن أتاكم هذا الذي تستعجلون به من العذاب ليلاً أو نهاراً ما يستعجل من نزول العذاب المجرمون، وهم لا يقدرون على دفعه.
فمعنى الكلام: الإنكار عليهم لاستعجالهم بأمر، لا يقدرون على دفعه إذا حل بهم. ثم قال تعالى: { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ }.
قال الطبري: "أثم" بمعنى "هنالك" إذا وقع العذاب بكم آمنتم بالله عز وجل. وليست عنده، ثم التي للعطف, وهو غلط منه. وإنما التي تكون بمعنى "هنالك" هي المفتوحة / الثاء بمنزلة قوله: { { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً } [الإنسان: 20]. والتقدير عند غيره أنها "ثم" التي للعطف. وفي الكلام حذف. والتقدير: أتأمنون إذا نزل بكم العذاب، فتؤمنون ثم يقال لكم: الآن آمنتم، وقد كنتم تريدون استعجاله، وحلوله بكم، فلما عاينتم حلوله آمنتم حين لا ينفعكم الإيمان، وهو مثل قوله: { { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84] إلى قوله { { بَأْسَنَا } [غافر: 85]: أي: لم ينفعهم الإيمان عند معاينة العذاب. كذلك سنة الله عز وجل في الكافرين لا يقيلهم من كفرهم عند معاينتهم العذاب.
و "آلآنَ" عند الفراء أصلها: أوان، ثم حذفت الهمزة الثانية منها، وقُلِبَتْ الواو ألفاً، ثم دخلت الألف واللام وبنيت على الفتح.
وقيل: أصلها "آن" مثل "حان" ثم دخلتها الألف واللام، وبقيت على فتحها مثل: "قيل، وقال".
وقال الزجاج: لا يحسن هذا القول: لأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه الألف واللام، كما لا تدخل على "قيل".
وقال سيبويه: سبيل الألف واللام أن يدخلا لمَعْهُود، و "الآن": ليس بمعهود، وإنما معناه: "نحن في هذا الوقت نفعل كذا، فلما تضمنت هذا بنيت على الفتح".
قوله: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي: ظلموا أنفسهم.
{ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ }: أي: العذاب الدائم. هل تجزون إلا ما عملتم في حياتكم من المعاصي، وما اكتسبتم في دنياكم.