التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١١
فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٢
وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
١١٣
-هود

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } - إلى قوله - { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }.
قرأ الزهري: "وإن كلاًّ" بالتشديد، لما "بالتنوين مشدداً أيضاً، وقرأ الأعمش: ("وإن كلا" بتخفيف "إنْ"، ورفع "كل" وتشديد "لما". (وفي حرف أبي": "وإن كلّ "إلا ليوفينَّ" ربك أعمالهم". وفي حرف ابن مسعود: "وإن كل) إلا ليوفينهم ربك أعمالهم". ومن شدَّدَ "إنَّ" نصب "كلاً" بها. واللامُ في "لمَا" لام تأكيد. و "ما" صلة، هذا على قراءة التخفيف. والخبر في "ليوفينهم".
والتقدير: وإن كلاً ليوفينهم. وقراءة من خفف إنْ، ونصب "كلا" على هذا التقدير، إلا أنه، خفف "إن" وأعملها كما يعمل الفعل، وهو محذوف منه.
وأنكر الكسائي التخفيف والعمل.
وقال الفراء: من خفف "إن" نصب "كلاً" بقوله: "ليوفينهم، وهذا لا يجوز أن يعمل ما بعد اللام فيما قبلها. ومن شدد "إن" و "لما" فهي غير جائزة عند المبرد، والكسائي.
قال المبرد: لا يجوز: "أن زيداً إلا لأضربنه".
وقال الفراء: الأصل "لمن ما"، فاجتمعت ثلاث ميمات عند الإدغام، فحذفت إحداهن. وهذا لا يجوز عند البصريين.
وقال المازني: الأصل التخفيف في "لمَا"، ثم ثقلت. وهذا أيضاً لا أصل له، (و) يجوز (تثقيل المخفف)، إلا لمعنى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: الأصل "لما" بالتنوين، من لممته لمّا: أي: جمعته، ثم بني منه فَعْلى، كما قرأ: "تثرا، و "تثري".
ومن خفف "إن"، وشدد "لما"، "فإن" بمعنى "ما"، و "لما" بمعنى "ألا" حكى ذلك الخليل، وسيبويه بمنزلة قوله:
{ { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [الطارق: 4] أي: إلا عليها حافظ والقراءات الثلاث تكون فيها "إن" بمعنى "ما" لا غير.
وقد قيل في قراءة من شدد "إنَّ" وخفف "لما": إنَّ (ما) بمعنى: "من". وإن المعنى: وإن كلا { لَّمَّا } ليوفينهم ربك أعمالهم، كما قال:
{ { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 3]: أي: ما طاب لكم نكاحه.
وقوله: { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }: أي: "لا يخفى عليه شيء من عملكم".
ثم قال تعالى: { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ }: أي: دم يا محمد على ما أنت عليه. { وَمَن تَابَ مَعَكَ }: أي: رجع إلى عبادة ربك، يدوم على ذلك. { وَلاَ تَطْغَوْاْ }: أي: ولا تتعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه.
{ إِنَّهُ بِمَا (تَعْمَلُونَ) بَصِيرٌ }: أي: ذو علم، لا يخفى عليه شيء من عملكم. وقال سفيان: معنى { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ }: أي: "استقم على القرآن"، { وَلاَ تَطْغَوْاْ }: وقف.
ثم قال تعالى: { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }. قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب: "فتمسكم" بكسر التاء.
وقرأ قتادة: ولا تركُنوا بالضم في الكاف، يقال: رَكَنَ يركنُ، وركُنَ يركَنُ. قال ابن عباس: معناه: لا تذهبوا إلى الكفار.
وقال ابن جريج: لا تميلوا إليهم.
وقال أبو العالية: "لا ترضوا أعمالهم".
وقال قتادة: لا تلحقوا بالشرك".
وقال ابن زيد: الركون هنا: / الإذعان. وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم، وهذا لأهل الشرك. نهى الله عز وجل، المؤمنين أن يميلوا إلى محبتهم، ومصافاتهم، وليس لأهل الإسلام. فأما أهل الذنوب من أهل الإسلام، فقد بينت السنة، والكتاب أنه لا يجوز أن يركن إلى شيء من معاصي الله، ولا يصالح عليها، ولا يقرب.
فالمعنى: ولا تميلوا إلى قول المشركين، فتمسكم النار، (بفعلكم ذلك). { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }: إن فعلتم. وليس لكم ولِيّ من دون الله، ينقذكم من عذابه.