التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٤٤
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ
٤٥
قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٤٦
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٤٧
-هود

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } إلى قوله { أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }.
المعنى: يا أرض اشربي ما عليك من الماء.
{ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي }: لا تمطري. { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ }: أي: نَقُص جعل الله عز وجل، في الأرض والسماء تمييزاً، وقيل: هو مجاز.
{ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ }: أي: بهلاكهم، { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ }: أي: استقرت السفينة على الجودي، وهو جبل بناحية الموصل، أو الجزيرة. { وَقِيلَ بُعْداً }: أي: وقال الله بعداً.
وقيل: المعنى: وقال نوح ومن معه { بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }: أي: أبعدهم الله من رحمته.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ركب نوح السفينة في أول يوم من رجب، فصام هو ومن معه، وجرت السفينة ستة أشهر. فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش، فصاموا شكراً لله عز وجل.
وروي أن السفينة مرت بالبيت، فطافت به أسبوعاً.
وفي الجودي لغتان. تشديد الياء، وتخفيفها. فمن شدد جمعه على جوادي، ومن خفف جمع على جوادٍ، مثل جوارٍ.
(على الجودي): وقف عند أبي حاتم، وليس كذلك، لأن (وقيل): عطف على واستوت.
ثم قال تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي }: أي: إنك وعدتني أن تنجيَ أهلي، وابني منهم.
{ وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ }: أي: الذي لا خلف فيه، { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } أي: فاحكم لي (بأن تفي) بما وعدتني.
قال الله له: { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }: أي: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم.
وقال الحسن: لم يكن ابنه، وكان يحلف أنه ما كان ابنه. فمعنى: { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }: أي: ليس بابن لك، إنما هو ابن امرأته وقال عكرمة، وغيره: هو ابنه، ولكن كان على غير دينه، وإنما وعده الله عز وجل، أن ينجيَ أهله المؤمنين به. فمعنى { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }: ليس من أهل دينك.
ثم قال تعالى: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }: أي: إن سؤالك يا نوح إياي أن أنجي مشركاً عملٌ منك غير صالح.
وقيل: المعنى: إن الذي سألت أن أنجيه، ذو عمل غير صالح.
وقيل: المعنى: إن عمله غير صالح.
وعن ابن مسعود / أنه قرأ "إنه عمل غير صالح أن تَسْألني ما ليس لك به علم" { فَلاَ تَسْئَلْنِ }، فتكون الهاء للمجهول، وخبر "عمل" محذوف دل عليه { فَلاَ تَسْئَلْنِ }.
ومن قرأ: "عمل غير صالح"، فكذلك قرأ الكسائي. وفيه: حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كذلك قرأ. ومعناه: ظاهر، كأنه قال: إنه كافر، والمعنى: إن ابنك كافر، عمل عملاً غير صالح، مثل
{ { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } [المؤمنون: 51، سبأ: 11]، ومثل { { وَعَمِلَ صَالِحاً } [البقرة: 62، سبأ: 37].
ثم قال تعالى: { إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } هذا تنبيه لنوح، صلى الله عليه وسلم، لئلا يسأل عما طوي عنه علمه.
وقال ابن زيد: المعنى: إني أعظك أن تبلغ الجهالة بك، أن تظن أني لا أفي بوعد وعدتك، حتى تسألني ما ليس لك به علم. فاستقال نوح من سؤاله، واستعاذ من ذلك. وقال: { رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }: فاستغفر من زلته في مسألته، وهذا "يدل على أن الأنبياء (صلوات الله عليهم)، يذنبون".
ومعنى: { مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }: أي: الذين خسروا رحمتك يوم القيامة. والمعنى: إني أسألك أن توفقني وتلطف بي، حتى لا أسألك (ما ليس لي به علم).