تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } - إلى قوله - { كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }
والمعنى: ما نفقه كثيراً مما تقول.
وقوله: { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً }: أي: قيل: ضعيفاً، قيل: إنه صلى الله عليه وسلم، كان أعمى.
قال أبو إسحاق: حمير تسمي المكفوف ضعيفاً.
ويقال: إن شعيباً كان خطيب الأنبياء صلى الله عليه وسلم، (وعليهم أجمعين). ثم قالوا له: { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ }: أي: لولا عشيرتك وأهلك لسبَبْناك. وقيل: معنى: "لرجمناك": لقتلناك رجْماً.
{ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }: أي: "لست ممن يكرم علينا"، { قَالَ } لهم شعيب: { يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ }: أي: أعشيرتي أعز عليكم من الله، فترككم إيَّايَ لله عز وجل أولى لكم من أن تتركوني لعشيرتي، فلا يكون رهطي أعظم في قلوبكم من الله، سبحانه.
{ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً }: أي: تركتم أمر الله سبحانه، خلف ظهوركم، فلا تراقبوه في شيء مما تراقبون قومي. فالضمير في { وَٱتَّخَذْتُمُوهُ }، يعود على اسم الله سبحانه، وقيل: يعود على ما جاءهم به شعيب.
{ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }: أي: لا يخفى عليه شيء من ذلك، يجازيكم على جميعه.
ثم قال لهم: { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ }: أي: على منازلكم، وقيل: المعنى: على مكانتكم من العمل، { إِنِّي عَٰمِلٌ }. { سَوْفَ تَعْلَمُونَ }: أينا الجاني على نفسه، وأينا المصيب وأينا المخطئ. { مَن يَأْتِيهِ }: "مَن": في موضع نصب "بتعملون"، مثل: { { يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ (ٱلْمُصْلِحِ) } [البقرة: 220]. وقيل: هي في موضع رفع على أنها استفهام. "ومَن" الثانية عند الطبري في موضع نصب عطف على الهاء، في "يُخْزِيه" على معنى: ويخزي مَن هو كاذب منا، ومنكم.
{ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }: أي: انتظروا إني منتظر.
{ تَعْلَمُونَ }: وقف إن جعلت "مَن" استفهاماً". وقيل: لا يكون وقفاً، لأن الجملة إذا رفعت في موضع نصب "بتعملون" فالوقف عليه قبيح.
ثم قال تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً }: أي: جاء قومه العذاب / نجيناه والمؤمنين به، { وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ }، أي: صيحة من السماء أخرجت أرواحهم { فَأَصْبَحُواْ فِي (دِيَارِهِمْ) جَاثِمِينَ } أي: خامدين في دارهم { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ }: أي: (كأن لم يعيشوا فيها)، وقيل: لم يقيموا.
{ أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ }، أي: أبعدهم الله، فبعدوا بُعداً.
{ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }: أي: أهلكهم الله، كما هلكت ثمود. وقيل: المعنى: أبعد الله مدين من رحمته، كما أبعد ثمود، يقال: بعِد يبعد: إذا هلك، وبعُد يبعد: إذا تباعد.