التفاسير

< >
عرض

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
١
إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٢
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ
٣
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ
٤
-يوسف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } إلى قوله { سَاجِدِينَ }
قد تقدم الكلام في { الۤر }. و { تِلْكَ } عند الطبري بمعنى "هذه". والمعنى: تلك آيات الكتاب المبين: "حلاله وحرامه، ورشده وهُداه".
{ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ } الهاء تعود على خبر يوسف، وهو اختيار النحاس، وغيره. أي:
إنا أنزلنا خبر يوسف، وذلك أن اليهود سألوا النبي، صلى الله عليه وسلم: لِمَ انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر، وعن خبر يوسف. فأنزل الله، (عز وجل) هذا بمكة موافقاً لما في التوراة، وفيه زيادة ليس عندهم.
وقيل: إن "الهاء" تعود على الكتاب المبين، وهو القرآن. ومعنى: { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } آية: أي: مجموعاً، مبيناً عربياً. { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }: أي: { تَعْقِلُونَ }: أن محمداً صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم بأخبار الغيب، وهو ممن لا يقرأ كتاباً.
وقيل: معناه: إنه أنزله عربياً لينقطع عذر العرب، إذ نزل بلسانهم، فمعنى: (تعقلون): أي: لتعقلوا ما أنزل عليكم، ولا عذر لكم في ترك فهمه، إذ هو بلسانكم.
ثم قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ }: أي: نحن نخبرك يا محمد عن (الـ)أمم الماضية، والقرون السالفة أحسن الخبر، وأصحَّهُ. وما كنت يا محمد من قبل أن ينزل عليك هذا { ٱلْقُرْآنَ وَإِن } من الغافلين عن هذه القصص، والأخبار. وقيل: معنى نقص: نبين.
وقال ابن عباس: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (له): لو قصصت علينا فنزلت: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ }.
وروي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ملُّوا ملَّة. فقالوا:
يا رسول الله! حدثنا. فأنزل الله عز وجل:
{ { ٱللَّهُ } [الزمر: 23] { نَزَّلَ } [الزمر: 23] { أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [الزمر: 23].
ثم قال تعالى: { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ }، العامل في "إذ" الغافلين.
وقرأ طلحة بن مصرف { يُوسُفُ } بالهمزة وكسر السين.
وحكى ابن زيد: يؤسف بالهمزة، وفتح السين. والوقف عند سيبويه وأصحابه على "يا أبه" بالهاء، لأن الهاء بدل من الياء التي للإضافة. ومذهب الفراء: الوقف بالتاء، لأن الياء عنده في النية.
ومن فتح التاء، فلأنها (أ) شبهت بالهاء التي هي علامة التأنيث، كما قال الشاعر:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وهذا مذهب سيبويه.
وقال قُطْرُب: وهو أحد قولي الفراء، لأن الأصل: يا أبتا(ه)، ثم حذفت الألف. ويكون الوقف على قول سيبويه بالهاء، وهو قول الفراء الآخر.
والندبة في هذا لا يجوز، إذ ليس هو من مواضعها. والعلة التي من أجلها دخلت الهاء في هذا أن قولك: "أبوان": تثنية الأب. واللام يوجب أن يكون يستعمل (أب وأبت) كما أن قولك: "والدان" للأب والأم يُوجب: "والد، ووالدة". فلما لم يستعمل "أبِهِ" استغنى باللام - استعمل ذلك في النداء في "الأب"، وأَجْرُوه مجرى ما وصف فيه المذكر مما فيه الهاء نحو: "علامة وَنَسَّابة.
وقال الفراء: إنما هي الهاء التي تزاد في الوقت، أكثر بها الكلام فنبهت بهاء التأنيث.
قرأ الحسن، أبو جعفر "أحد عْشْر" بإسكان العين لكثرة الحركات.
وقال: رأيتهم لأنه أخبر عنها بالسجود، وهو فعل من يعقل، ومثله:
{ { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [النمل: 18] و { { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [الأنبياء: 63].
وقيل: لما كان تفسير ذلك واقعاً على إخوة يوسف، وأبيه، وخالته، أخبر عنهم، بالهاء والميم. وذلك حقهم في الحكاية، والإخبار عنهم.
قال ابن عباس: كانت الرؤيا فيهم وحياً. والأحد عشر هم: أخوة يوسف، والشمس أمه، والقمر أبوه. هذا قول ابن عباس، وغيره.
ويروى أن رؤيا يوسف كانت ليلة الجمعة، وكانت ليلة القدر، فأشفق يعقوب أن يحسده إخوته على ذلك. فنهاه أن يقصَّها عليهم.
وقال قتادة، وغيره: الشمس خالته، والقمر أبوه. وظهرت رؤيا يوسف عليه السلام، بعد رؤيتها بأربعين سنة.
وقد روي أن يعقوب، عليه السلام، فسر الرؤيا: تأول الأحد عشر كوكباً: أحد عشر نفساً، لهم فضل يستضاء بهم، وهم إخوة يوسف، وتأوّل الشمس، والقمر: أبويه، فتأوّل أن يوسف يكون نبياً، وأن إخوته يكونون أنبياء، لأن الله، عز وجل، أعلمهم أنه يتم نعمته عليه، وعلى أبويه.