التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٣٣
فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٤
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ
٣٥
-يوسف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } إلى قوله: { حَتَّىٰ حِينٍ }
قرأ عثمان رضي الله عنه: "السَّجن بفتح السين والمعنى: رب، إن السجن أحب إلي، فهو مصدر. وهي قراءة ابن أبي إسحاق، والأعرج، ويعقوب. ورويت عن الزهري.
ومن كسر جعله إسماً. والمعنى: أن يوسف عليه السلام، اختار السجن على ما دعته إليه من الزنا.
قوله: { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ } يعني: مراودتُهُن. { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ }: أي: أَمِلْ إليهن.
وقيل: أتابعُهُنَّ، وأكن بصبوتي من الذين جهلوا حقك، و[خـ]ـالفوا أمرك.
قوله: { أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا }: وقف. وقوله: { مَا هَـٰذَا بَشَراً }: وقف عند نافع (فاستعصم): وقف. ثم أخبر تعالى أنه استجاب له بعصمه منها، ومن كيدها، وذلك أن في قوله: { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ }، شكوى ما حل به منها، وكذلك رضاه بالسجن هو شكوى. فاستجاب له ذلك، فصرف الله عنه ما اشتكى به إليه.
{ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } دعاء من دعاه، (العليم): بمصلحة خلقه.
وقوله: { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } قيل: سنة، وقيل: سبع سنين. والحين: اسم للزمان يقع (عـ)ـلى القليل والكثير. وفاعل { بَدَا } عند سيبويه ليسجننه.
وعند المبرد مضمر، وهو المصدر: كأنه بدا لهم بداء.
والعرب تقول: بدا ليَّ بدءاً: أي تغيّر رأيي عمّا كان عليه، ومنهم من يقول: "قد بدا لي"، ولا يذكر "بدا" لكثرته في الكلام. وهذا من ذلك.
وقيل: المعنى: ثم بدا لهم رأي، ثم حذف الرأي. لأن الكلام يدل على المعنى، أي: ظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونَهُ، (ثم حذف الرأي).
فالمعنى: ثم ظهر للعزيز رأي أن يسجنه، وأخبر عنه بلفظ الجمع لأنه ملك ولأنه لم يذكر اسمه. فالمعنى: ثم ظهر للعزيز رأي أن يسجن يوسف من بعدما كان ظهر له أن يتركه مطلقاً، ومن بعدما رأوا الآيات ببراءته، وهي: (قد) القميص من دبر، وقطع أيدي النسوة، وخمش الوجوه. ومعنى { حَتَّىٰ حِينٍ }: إلى سبع سنين.
وقيل: إن الله جعل ذلك الحبس ليوسف كفارة لذنبه، إذ همَّ بالخطيئة.
قال ابن عباس: عثر يوسف، عليه السلام، (ثلاث عثرات): حين همّ بها فسجن حتى حين، وحين قال: { ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ }. ونسي ذكر الله، (سبحانه) فلبث سنين في السجن، وحين قال:
{ { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف: 70] فسكتوه بقولهم: { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ }.
وعن ابن عباس (أيضاً): أنه قال: عوقب يوسف صلى الله عليه وسلم، ثلاث مرات. وذكر ما ذكرنا عنه.
وقال السدي: كان أصل حبس يوسف أن امرأة العزيز قالت له: إن هذا العبد العبراني، قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه. ولست أطيق أن أعتذر بعذري. فإما أن تأذن لي في الخروج، وإما أن تحبسه كما حبستني. فظهر له أن يحبسه، ففعل.
والضمير في "لهم" للملك، وأعوانه، وأصحابه.