تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } - إلى قوله - { تَسْتَفْتِيَانِ } روي أن يوسف عليه السلام قال: هذا لأن أحد الفَتييْن كان مشركاً، فدعاه بهذا إلى الإيمان، ونبذ الآلهة، فجعلهما صاحبي السجن لأنهما فيه. والمعنى: يا من في السجن. وهذا كقوله تعالى لسكان الجنة: { { أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [البقرة: 82، الأعراف: 42، يونس: 26، هود: 23، الأحقاف: 14] ولسكان النار { { فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } [البقرة: 81، 275].
والمعنى: أعبادة أرباب متفرقين خير؟ أم عبادة { ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }.
قال قتادة: لما علم يوسف أن أحدهما مقتول دعاه إلى حظه في الآخرة.
ثم قال (تعالى): { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ }: فجمع، لأنه قصد المخاطب، وكل من عبد غير الله، فجمع على المعنى: أي: ما تعبد أنت، ومن هو على ملتك { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ }: أي: لم يأذن الله لكم بذلك، أنتم أحببتم أسماءها وآباؤكم.
{ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ }: أي: من حجة، ومن كتاب، ومن دلالة. وقوله / { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ }: أي: أسس الدين عليه لئلا يُعبد غيره.
{ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ }: أي: ذلك الذي دعوتكم إليه هو الدين الذي لا أعُوِجَاجَ فيه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }: وهم المشركون. ثم قال: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ }: يخاطب الفَتَيَيْنِ { أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً }: أي: سيده الملك، وهو (الذي) رأى أنه يعصر خمراً.
{ وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } فقال عند ذلك: ما رأينا شيئاً، فقال: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي (فِيهِ) تَسْتَفْتِيَانِ }.
وقيل: إنما أنكر الذي أخبره أنه يصلب. فقال: قضي الأمر سواء رأيت، أو لم تر وكان اسمه مجلث، واسم الثاني نبو.
قال ثابت البنانـ(ـي): دخل جبريل عليه السلام على يوسف في السجن، فعرفه يوسف، فقال له: أيها الملك، الحسن وجهه الطيب ريحه، الكريم على ربه: { هَل لَّكَ } علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: فما صنع؟ قال: ابيضت عيناه من الحزن، قال: وفيم ذلك؟. قال: عليك. قال: فما بلغ من حزنه؟ (قال): حزن سبعين مُثْكِلَة قال: فما له من الأجر على ذلك؟ قال: أجر مائة شهيد.
قال الحسن: مكث يعقوب، عليه السلام، ثمانين سنة، أو نحوها، لا يفارق قلبه الحزن، ولا تجف عيناه من البكاء. وإنه لأَكْرَمُ أهل الأرض على الله يومئذٍ.