التفاسير

< >
عرض

الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
٢
-الرعد

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { الۤمۤر } إلى قوله { تُوقِنُونَ }: قال ابن عباس معناها: أنا الله أرى، وقيل: معناه: أنا الله أعلم، وأرى.
وقوله: { الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ (مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ) } المعنى: يا محمد تلك الآيات التي قصصت عليك خـ[ـبرها] هي آيات الكتاب التي أنزلت قبل هذا الكتاب، (الذي أنزلته إليك). أعني: بذلك: التوراة والإنجيل، قاله قتادة، ومجاهد.
وقيل: المعنى: هذه آيات الكتاب، يعني القرآن.
ثم ابتدأ فقال: { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } على وجه الإخبار لمحمد (صلى الله عليه وسلم) أن الذي أنزل إليه، نَزَّله الله عليه هو حق. فعلى هذا المعنى تقف على الكتاب، وعلى القول الأول، لا تقف عليه لأن الإخبار عن / الكتب الثلاثة أنها حق.
ثم قال (تعالى): { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } أي: وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك يا محمد! هو الحق أيضاً. فاعمل بما فيه، واعتصم به.
قاله قتادة، ومجاهد، فيكون على هذا القول (الكتاب): تمام حسن، ويكون "الذي" (مبتدأ والحق خبره. فإن قدر أن "الذي" في موضع خفض على معنى: وآية { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }، كان الوقف على (ربك). وتبتدأ الحق، وترفعه على إضمار مبتدأ: أي: هو الحق، وذلك الحق.
ثم قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } (أي: لا يؤمنون) بعد وضوح الحق بهذه الآيات.
ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ } الآية. المعنى: أنه أخبرنا تعالى ذكره أن من آياته أن رفع السماوات، فجعلها سقفاً للأرض { بِغَيْرِ عَمَدٍ } مرئية، فهي على عمد، ولكنها لا ترى، فيكون "ترونها" نعتاً للعمد. والهاء والألف تعود على العمد، هذا قول ابن عباس وعكرمة، (وهو قول مجاهد). وفي مصحف أبي "ترونه"، رده على العمد. فهذا يدل على أن لها عمداً لا ترى. قال أبو محمد: وأقول إن عمدها القدرة، فهي لا ترى.
قال ابن عباس: عمدها قاف الجبل الأخضر.
وقال قتادة: ليستعلى عمد، بل خلقها عز وجل، بغير عمد، وهو أولى بظاهر النص، وأعظم في القدرة، ودل عليه قوله:
{ { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فاطر: 41]: فهذا يدل على أنها غير عمد يُمسكها، ولو كان لها عمد لم يمسكها العمد حتى يعتمد العمد على شيء آخر إلى ما لا نهاية له. فالقدرة نهاية ذلك كله. فيكون "ترونها" على هذا القول [حا]لاً من السماوات: (أي: خلق السماوات مرئية بغير عمد. وتكون "الهاء" و "الألف" تعود على السماوات)، فإذا رجع [الضمير] على العمد احتمل أن يكون المعنى: بغير عمد مرئية البتة، فلا عمد لها. ويحتمل أن يكون المعنى: بغير (عمد) مرئية لكم: أي: لا ترون العمد. وثَمَّ عمد لا ترى، وإذا رجع الضمير على "السماوات" فلا عمد ثم البتة.
ثم قال (تعالى): { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }: أي: علا عليه علو قدرة، لا علو مكان.
ثم قال (تعالى): { سَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى }: أي: لوقت معلوم، وذلك إلى فناء الدنيا، وقيام الساعة. فَتُكَوُّرُ الشمس حينئذ، ويُخسف القمر، وتنكدر النجوم التي سخرها في السماء لصالح عباده ومنافعهم فيعلمون بجريها عدد (السنين) والحساب، والأوقات، ويفرقون بين الليل والنهار. ودل تعالى بذلك أنها مخلوقات. إذ كُلٌ مدبر مملوك مقهور، لا يملك لنفسه نفعاً فيخلصها مما هي فيه.
ثم قال تعالى: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ }: أي: بحكمه وحده بغير شريك، ولا ظهير. ومن الأمر الذي دبره: خلق السماوات [بـ]ـغير عمد، وسخر الشمس، والقمر والنجوم فيهن.
ثم قال: { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ }: أي: يبين آياته في كتابه لكم، لتقوم بها عليكم الحجة، إن لم تؤمنوا، ثم بين تعالى لِمَ فعل هذا؟ فقال: { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }: أي: لعلكم تصدقون بوعده، ووعيده، وتزدجرون عن عبادة الأوثان.