التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤١
وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ
٤٢
-الرعد

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ } إلى قوله { عُقْبَى ٱلدَّارِ } معناه عند ابن عباس: أَوَلَمْ ير أهل مكة الذين سألوا محمداً الآيات أنا نفتح على محمد الأرض (بعد الأرض) من حولهم، ولا يخافون أن يفتح عليه أرضهم كما فتحنا له غيرها. ودلّ على ذلك قوله في الأنبياء: { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }: بل، محمد وأصحابه الغالبون.
وأكثر المفسرين على أنه يراد به: ذهاب خيار الناس، وعلمائهم، وصالحيهم.
وقال الضحاك، والحسن: هو ظهور المسلمين على المشركين.
وقيل: هو هلاك الأمم قبلهم، وخراب أرضهم. فيقول: أَلَم تر قريش هلاك الأمم قبلهم، وخراب أرضهم بعدهم؟ أفلا يخافون أن يَحُلَّ بأرضهم ما حلَّ بمن قبلهم، قاله مجاهد، وابن جريج.
وروي عن ابن عباس، (رحمه الله) نحوه.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هو نقص بركات الأرض وثمارها، وأرضها بالموت. وجماعة من العلماء على أن المعنى في النقص: موت أهل الأرض، وهو قول عكرمة.
وروي عن مجاهد، وقال ابن عمر: نقص الأرض هي موت فقهائها، وخيار أهلها. ثم قال (تعالى): { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } أي: يحكم ويقضي، فينفذ حكمه وقضاءه، لا رَادَّ لحكمه، ولا مانع لقضائه. فإذا أراد بهؤلاء المشركين (شراً) لم يرده أحد.
والأطراف جمع طرف، والطرف: الكريم من كل شيء.
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: العلم أودية، في أي واد أخذت منه حَسِرْت، فخذ من كل شيء طرفاً: أي: خياراً. ومنه قولهم:
ما يدري: أيُّ طرفيه أطول، أي: ما يدري الكرم يأتيه من ناحية أبيه، أو من ناحية أمِّه. فصار / معنى { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }: أي: من علمائها، لأن العلماء هم الخيار. ومعنى { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي: يحصي أعمال هؤلاء المشركين، لا يخفى عليه شيء منها.
ثم قال تعالى: { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } والمعنى: وقد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من الأمم، فوقع بهم العذاب، فلله أسباب المكر كلها، وبيده الضر والنفع. فلن يضر الماكرون بمكرهم أحداً إلا بإذن الله، لأن أسباب المكر كلها بأمر الله، وإنما يضرون بمكرهم أنفسهم، لأنهم أسخطوا ربهم عليهم حتى أهلكهم. فكذلك هؤلاء يمكرون بك يا محمد، والله منجيك من مكرهم، وملحق ضرر مكرهم بهم دونك.
ومعنى المكر من الله "أن ينزل العقوبة بمن يستحقها من حيث لا يعلمون".
ثم قال (تعالى): { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } أي: يعلم ما يفعل هؤلاء المشركون، وما يسعون فيه من المكر بك، ويعلم جميع أعمال الخلائق كلهم.
{ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } أي: سيعلمون، إذ قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة (عقبى) الدار في الآخرة.
وقيل: الكافر هنا يراد به أبو جهل لعنه الله.
(ومن قرأ): "الكفار" بالجمع. قيل: عني به المستهزءون وهم خمسة، والمقتسمون، وهم ثمانية وعشرون.