تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } - إلى قوله - { كَفَّارٌ }: والمعنى: "الله الذي أنشأ السماوات والأرض من غير شيء.
{ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ }: أي: أحيى به الأرض والشجر، والزرع، والثمرات، رزقاً لكم: تأكلونه.
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ } وهي السفن: { لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } ومعنى "بأمره" لكم، تركبونها، وتحملون فيها أمتعتكم من بلد إلى بلد.
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ }: أي: سخر ماءها شراباً وسقياً لكم.
{ وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ }: أي: متعاقبين عليكم أيها الناس بالليل والنهار لصلاح أنفسكم ومعايشكم.
وقيل: معنى دائبين: متماديان في اختلافهما عليكم. وقال ابن عباس (رحمه الله): هو دؤوبهما في طاعة الله، عز وجل، { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ }: أي: يسخر تعاقبهما عليكم لمنافعكم، وصلاح أحوالكم.
ثم قال تعالى: { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ }: أي: وأعطاكم مع ما تقدم من ذكر إنعامه عليكم: { مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ }، أي: من كل سؤلكم، قاله الفراء.
وقال الأخفش: "من كل ما سألتموه (شيئاً)، وحذف شيئاً لدلالة لفظ التبعيض عليه، ولدلالة "ما" التي أضيف إليها "كل" لأنها بمعنى شيء.
وقيل: هذا لفظ عام، ويراد به الخصوص، كما يقال: فلان يعلم كل شيء، وأتاني كل إنسان: يريد البعض، ومثله { { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44].
قال مجاهد: معناه: وآتاكم من كل ما رغبتم إليه فيه.
وقيل: المعنى: وآتاكم من كل الذي سألتموه، والذي لم تسألوه.
وقيل: معناه: إن الناس قد سألوا الأشياء عن تفرق أحوالهم، فخوطبوا على ذلك: أي: قد أوتي بعضهم منه شيئاً، وأوتي الآخر منه شيئاً آخر، مما قد سأله.
وروى محمد بن إسحاق المسيبي، عن أبيه، عن نافع "من كل" بالتنوين، وهي قراءة الضحاك. والحسن: أي: أعطاكم أشياء ما سأَلْتُمُوهَا / ولا التمستموها، ولكن فعل ذلك لكم، برحمته وسعة فضله.
قال الضحاك (رحمه الله): فكم من شيء أعطانا الله ما سألناه، ولا طلبناه، ولا خطر لنا على بال.
وجعل الحسن "ما" بمعنى "الذي" مع التنوين. وقال في معناه: وآتاكم من كل ما سألتموه: أي: أعطاكم من كل الأشياء الذي سألتموه.
ثم قال تعالى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }: أي: (إن) تعدوا نعم الله عليكم لا تحصوا عددها، والقيام بشكرها.
ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }، الإنسان: اسم للجنس وظلوم بني للمبالغة.
والمعنى أن الإنسان غير شاكر من أنعم عليه، وقد وضع الشكر في غير موضعه، يعبد غير من أنعم عليه.
كفار: جحود نعمة من أنعم عليه.