التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ
٥١
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }. أي: تمام أربعين ليلة. وقيل: معناه أربعين ليلة بتمامها. فالأربعون داخلة في الميعاد.
قوله: { ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ }.
أي إلهاً، والأصل، اتَّخَذَ، يَتَّخِذُ، وهو "افْتَعَل" من الأخذ، وكثر في كلامهم فجعلوه بمنزلة ذوات الواو والياء التي تكون في موضع الفاء من الفعل. وهي تكون تاء في "افتعل" وما تصرف منه، وتدغم في تاء "افتعل". فأصل التاء الأولى همزة / وقد قيل: أصلها تاء من "تخذت".
وقال الأخفش: "أصلها همزة حملت على ذوات الواو. لأن الهمزة قد تدخل على الواو فيبدل كل واحدة من الأخرى".
وقد قيل في لغة: "أخَذْتُهُ وأَخَذَهُ الله بذلك، وَوَاخَذَهُ". فصارت "اتخذ" مثل "اتعد".
قال ابن عباس: "لما امتنع فرس فرعون أن يدخل به البحر، تمثل له جبريل عليه السلام على فرس أنثى فتقحم خلفها ودخل بفرعون، وكان السامري قد عرف جبريل لأن أمه خافت عليه الذبح، فخلَّفته في غار فانطبقت عليه الغار. فكان جبريل عليه السلام يأتيه فيغدوه بأصابعه، فيجد في إحدى أصابعه لبناً وفي الأخرى / عسلاً وفي الأخرى سمناً. فلم يزل يغدوه حتى نشأ، فلما رأى جبريل عليه السلام عرفه، / فأخذ من أثر فرسه قبضة من تراب، ورفعها عنده، وكان موسى صلى الله عليه وسلم إذ أمر بني إسرائيل أن يخرجوا من أرض. مصر، أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط ويخرجوا به معهم. فلما تجاوز البحر وغرق آل فرعون استخلف موسى هارون على بني إسرائيل، ومضى لوَعْدِ ربه عز وجل، فقال لهم هارون: اجمعوا الحلي وادفنوه حتى يأتي موسى، فإن أحلَّها لكم أخذتموها. فجمعوا الحلي في حفرة، وألقي [في روع] السامري / أنه لا يلقي تلك القبضة على شيء فيقول: كن كذا إلا كان، فقذفها في الحفرة وقال: كن عجْلاً جسداً له خوار، فصار الحلي كذلك، تدخل الريح من دبره وتخرج من فيه، يُسمع لها صوت، فقال لهم السامري:
{ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } [طه: 88]؛ أي نسي موسى صلى الله عليه وسلم إلهه عندكم، ومضى يطلبه كأنه قد نسي. فعكفوا على العجل يعبدونه فنهاهم هارون صلى الله عليه وسلم وقال: { إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي } [طه: 90]. فأبوا حتى يرجع موسى [صلى الله عليه وسلم]".
وقيل: إنه كان يمشي ويخور.
واسم السامري: موسى بن ظفر، واعتزل هارون بمن معه ممن لم يعبد العجل فلذلك قال له موسى:
{ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } [طه: 94].
قال ابن عباس: "إن موسى صلى الله عليه وسلم لما قطع البحر وأغرق الله آل فرعون، قالت بنو إسرائيل لموسى: إئتنا بكتاب من ربنا كما وعدتنا، وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر. فاختار موسى سبعين رجلاً لينطلقوا معه، فلما تجهزوا، قال الله لموسى: أخبِر قومك أنك لن تأتيهم أربعين ليلة وذلك حين تمت بعشر، وهي عشر من ذي الحجة مع ذي القعدة.
والهاء [في] من "بعده" تعود على موسى صلى الله عليه وسلم. وقيل: تعود على انطلاق موسى إلى الجبل.