التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ
٨٧
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ }.
لام (لَقَدْ) حيث وقعت لام تأكيد، وقد تقع جواباً للقسم، وعيسى لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة.
وقيل: هو عربي من "عَاسَهُ يَعُوسُهُ" إذا ساسه وقام عليه ولا ينصرف على هذا للتعريف والتأنيث.
(القُدُسُ) أصله الطهر. وفيه لغة نادرة وهي فتح القاف والدال. والكتاب هو التوراة.
{ وَقَفَّيْنَا }: أردفنا وأتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج واحد، وشريعة واحدة، لأن كل من بعث بعد موسى صلى الله عليه وسلم إلى زمان عيسى صلى الله عليه وسلم فإنما يأمر بني إسرائل بلزوم التوراة والعمل بما فيها، فلذلك قال: { مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ }. أي: على منهاجه وطريقته.
ثم قال: { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ }.
ابتداء كلام آخر.
وأصل "قَفَوْت" من القَفَا" يقال: "قَفَوْتُ فُلاناً" إذا صرت خلف قفاه. "ودَبَرْتُهُ" إذا صرت خلف دبره.
والبينات التي أوتيها عيسى عليه السلام هي إحياء الموتى وإبراء الأكمه وخلق الطير. وغيره من الحجج والبينات.
{ وَأَيَّدْنَاهُ }: قويناه وأعناه ونصرناه [والأيد والأد] القوة.
وقرأ ابن محيصن: "وأيدناه" بالمد.
و "روح القدس": جبريل. قاله قتادة والسدي والضحاك والربيع بن أنس. وروي ذلك عن النبي [عليه السلام]. وقاله ابن عباس.
وقال ابن زيد: "هو الإنجيل سمي روحاً كما سمي القرآن روحاً، فقال تعالى:
{ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52].
ويرد هذا القولَ قولُه تعالى:
{ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } [المائدة: 110]، ثم قال تعالى: { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } { المائدة: 110]. فدل هذا [على] أن روح القدس غير الإنجيل /. فإن حُمل على أنه أعيد للتأكيد كما قال: { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [الرحمن: 68]، وقال: { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [البقرة: 98]، فهو وجه.
وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: "روح القدس هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى صلى الله عليه وسلم الموتى".
وقال مجاهد: "القدس: الله جل ذكره، وسمي جبريل روحاً لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة كما سمي عيسى صلى الله عليه وسلم / روحاً، فقال:
{ وَرُوحٌ مِّنْهُ } [النساء: 171].
وقال السدي: "القدس هنا البركة".
وقال الربيع: القدس هو الله، ويدل عليه قوله:
{ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } [الحشر: 23]. والقدوس والقدس واحد". ورواه ابن وهب عن مجاهد أيضاً.
قوله: { أَفَكُلَّمَا }.
معناه: التقرير والخبر، ولفظه لفظ الاستفهام.