التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
٧
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٩
وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ
١١
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
١٢
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
١٣
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
١٤
قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ
١٥
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
١٧
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
١٨
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
١٩
قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ
٢٠
فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢١
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
٢٢
-الشعراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا } إلى قوله: { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }.
المعنى: أَوَلَمْ ير هؤلاء المكذبون بالبعث إلى الأرض كم أنبتنا فيها بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها { مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }، أي: من كل جنس حسن، فكما أحيينا الأرض بهذا النبات، كذلك نحييهم بعد الموت للبعث / يوم القيامة، لأن أصلهم من الأرض فهم كالأرض.
قال الشعبي: الناس من بنات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار إلى النار فهو لئيم.
قال الفراء: الزوج اللون. ثم قال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي: إن في إنباته النبات في الأرض لدلالة لهؤلاء المنكرين للبعث على كون البعث، وأن القدرة التي أنبت الله بها في الأرض ذلك النبات، ليقدر بها على نشر الموتى بعد مماتهم.
ثم قال { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ }، أي: قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون فأخبر عنهم ما سبق في علمه منهم.
ثم قال تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي: لا يمتنع عليه شيء يريده { ٱلرَّحِيمُ }، أي: ذو الرحمة لمن تاب من كفره.
قال ابن جريج: كل شيء في الشعراء من قوله "عزيز رحيم" فمعناه عزيز حين انتقم من أعدائه، رحيم بالمؤمنين حين أنجاهم ممن أهلك.
ثم قال تعالى: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }، أي: واذكر يا محمد، إذ نادى ربك "موسى" بأن إئت القوم الظالمين، ثم بيَّنهم فقال: { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ }، أي: فقل لهم: ألا يتقون، وجاء باليا، لأنهم غيب عن المخاطبة.
ودل قوله: { أَلا يَتَّقُونَ }، على أنهم كانوا لا يتقون، ودل أيضاً على أنه أمر موسى أن يأمرهم بالتقوى، فهذا من باب الإيماء إلى الشيء بغيره، لأنه أمره بأن يأتي القوم الظالمين ولم يبين لأي شيء يأتيهم، فدل قوله { أَلا يَتَّقُونَ }، لأي شيء يأتيهم وهو الأمر بالتقوى والتقوى اسم جامع للخير كله من الإيمان والعمل. فكأنه قال: أن إئت القوم الظالمين ومرهم بالتقوى فهذا مفهوم الخطاب.
ثم قال تعالى: حكاية عن قول موسى: { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }، أي: أخاف من قوم فرعون أن يكذبون بقولي: إنك أرسلتني إليهم، ويضيق صدري من تكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالعبارة عما ترسلني إليهم به للعلة التي في لساني.
ثم قال: { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ }، يعني أخاه، أي: ليؤازرني ويعينني، فالمعنى اجعله رسولاً لك معي.
ثم قال: { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ }، أي: ولقوم فرعون علي ذنب أذنبته إليهم، وهو قتله القبطي بالوكزة { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }، يعني قود بالنفس التي قتلت منهم. { قَوْمَ فِرْعَوْنَ }، وقف، و { أَلا يَتَّقُونَ }، التمام و { أَن يُكَذِّبُونِ }، وقف إن رفعت { وَيَضِيقُ } على الاستئناف، فإن رفعت عطفت على { أَخَافُ }، أو نصبت عطفت على { يُكَذِّبُونِ }، كان التمام { يَقْتُلُونِ }.
ثم قال: { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ }، أي: لن يقتلوك انزجر عن الخوف من ذلك فإنهم لا يصلون إليك. فاذهب أنت وأخوك بآياتنا، أي: بإعلامنا، وحججنا { إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ }، ووجه قوله: { مُّسْتَمِعُونَ } أنه بمعنى سامعون لأن الاستماع إنما يكون بالإصغاء، وذلك لا يجوز على الله جلّ ذكره، وأخبر عن نفسه بلفظ الجماعة وذلك جائز. وقال: { مَعَكُمْ } وهما اثنان لأن الاثنين جمع، كما قال:
{ { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [النساء: 11] يريد أخوين ويحتمل أن يكون ثم قال: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }، وحد رسولاً وهما اثنان لأنه أراد به المصدر بمعنى الرسالة. يقول: أرسلت رسالة ورسولاً. وتقديره: إنا ذوا رسالة.
وقيل: رسول اسم للجمع كالعدو والصديق، فلذلك أتى موحداً.
ثم قال: { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي: بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي: بأن تطلقهم وتخلي سبيلهم.
ثم قال: { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } أي: قال فرعون لموسى حين قال له: أرسل معنا بني إسرائيل - ألم نربك ميتاً صغيراً، وفي الكلام حذف والتقدير: فلما ذهبا إليه قالا ذلك.
وقوله: / { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ }، يمن فرعون على موسى بتربيته عنده إلى أن قتل القبطي.
وروى الخفاف عن أبي عمرو "عُمْرك" بإسكان الميم، وحكى سيبويه فتح العين وإسكان الميم في القسم في "لعمرك" فلا يستعمل في القسم عنده إلا مفتوحاً لخفته، وكثرة استعمالهم له في القَسَم.
ثم قال تعالى: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ }، يعني قتله القبطي، يوبخ فرعون موسى بذلك. وقرأ الشعبي { فَعْلَتَكَ } بكسر الفاء يريد به الحال والهيئة كما تقول: هو حسن المشبه والركبة والجلسة.
وقوله: { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }.
قال السدي: معناه: وأنت من الكافرين على ديننا هذا التي تعيب؛ أي: أنت ساتر على ديننا.
قال ابن زيد: معناه: كفرت نعمتنا عليك، وتربيتنا لك فجازيتنا أن قتلت نفساً منا وكفرت نعمتنا. وكذلك قال ابن عباس: يريد كفر النعمة.
وقيل المعنى: وقتلت نفساً منا وأنت الآن من الكافرين لنعمتي، وتربيتي إياك. فقال موسى لفرعون: { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ }، أي: قتلت النفس وأنا من الجاهلين، لأن ذلك قبل أن يأتيه الوحي من الله بتحريم قتله. يقال: جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى، وفي حرف ابن مسعود من الجاهلين.
وقال ابن زيد: معناه: وأنا من الخاطئين لقتله لم أتعمده، قال أبو عبيدة: من الضالين: من الناسين.
وقال الزجاج: وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز من الكافرين لقتلك الذي قتلت فنفى موسى الكفر، واعترف بأنه فعل ذلك جهلاً.
وقيل: معنى: الضالين: أي: قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله، لم أتعمد قتله ولا قصدت لذلك.
ثم قال تعالى { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ }، أي: هربت منكم خوفاً أن تقتلوني بقتلي القبطي منكم { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً }، قال السدي: نبوة.
وقال الزجاج: الحكم: تعليمه التوراة التي فيها حكم الله. { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }، أي إلى خلقه.
ثم قال موسى لفرعون { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي وتربيتك إياي، وتركك استعبادي كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ، وفي الكلام حذف، والتقدير: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني لم تستعبدني.
وقال الأخفش قيل المعنى: وتلك نعمة على الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقريع.
وقال الفراء: في الكلام حذف والتقدير: هي لعمري نعمة إذ مننت علي فلم تستعبدني، واستعبدت بني إسرائيل.
وقال الضحاك: المعنى إنك تمن علي بما لا يجب أن تمن به.
وقيل: المعنى وتلك نعمة تمنها علي بأن عبدتني وأنا من بني إسرائيل، لأنه روي أنه كان رباه على أن يستعبده.
وقيل المعنى: وأنت من الكافرين لنعمتي، وتربيتي لك فأجابه موسى فقال: نعم هي نعمة أن عبّدت بني إسرائيل ولم تستعبدني. وأن في موضع رفع على البدل من نعمة.
وقيل: هي في موضع نصب على معنى: بأن عبدت، يقال عبدت الرجل وأعبدته: إذا اتخذته عبداً.
وقيل: وتلك نعمة تمنها عليّ أن استعبدت بني إسرائيل فكلفتهم تربيتي. لأن فرعون لم يربه إنما أمر من يربيه من بني إسرائيل أمه وغيرها. فلما منّ عليه فرعون بتربيته له. قال له موسى أثر بيتك إيأي: باستعبادك بني إسرائيل وتكليفك لهم تربيتي نعمة لك علي لا نعمة لك في ذلك علي؛ لأن بني إسرائيل هم الذين تولوا تربيتي باستعبادك إياهم على ذلك.