التفاسير

< >
عرض

لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨٨
-آل عمران

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } الآية.
من قرأ بالتاء جعله خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم و { ٱلَّذِينَ } مفعول أول { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } مكرر للتأكيد و { بِمَفَازَةٍ } المفعول الثاني لحسب الأول، وحسب الثاني مع المصدر للتأكيد، ولطول القصة. وقيل: إنه ليس بتأكيد وأن { بِمَفَازَةٍ } مفعول حسب الثاني محذوف لعلم السامع كما تقول في الكلام ظننت زيداً ذاهباً وظننت عمراً، يريد ذاهباً، ثم تحذف لدلالة الأول عليه كما قال:
{ { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] فحذف لدلالة الكلام على المحذوف.
ومن قرأ بالياء فقوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } للتأكيد، والهاء والميم مفعول أول: و { بِمَفَازَةٍ } الثاني كأنه قال: لا يحسبن الكافرون أنفسهم بمنجاة من العذاب.
ومن ضم الباء أراد الجميع، وحسب وأخواتها تتعدى إلى الفاعل نفسه. ولم يقرأ أحد الأول بالتاء والثاني بالياء مكرراً للتأكيد. أجاز أبو إسحاق: لا تظن أخاك إذا أتاك بخبر، فلا تظنه صادقاً تعيد الفاعل للتأكيد. ونزلت الآية في قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في رجال تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [وفرحوا لمقعدهم خلاف رسول الله، ثم إذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم] أقبلوا يعتذرون إليه، ويحلفون أنهم لا يتخلفون عنه بعد ذلك، { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ }.
وقال مروان لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقرأ هذه الآية: يا أبا سعيد إنا لنحب أن نحمد بما لم نفعل، ونفرح بما آتينا. فقال أبو سعيد: إن ذلك ليس كذلك، إنما ذلك أن أناساً من المنافقين كانوا يتخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجع على ما يحب حلفوا له ألا يتخلفوا عنه بعد ذلك، وأحبوا أن يحمدوا على هذا، وإن رجع النبي صلى الله عليه وسلم على ما يكره، فرحوا بتخلفهم عنه، وقاله زيد بن ثابت، وروى مثله مالك عن نافع. قال نافع: نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا واعتذروا.
فقال ابن زيد: هؤلاء المنافقون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: لو خرجت لخرجنا معك، فإذا خرج تخلفوا ورأوا أنهم قد احتالوا حيلة، وفرحوا بفعلهم ذلك.
وقال ابن جبير: نزلت في أحبار اليهود يفرحون بما جاءهم من الدنيا من الرشا على إضلال الناس، ويحبون أن يقول لهم الناس عُلماء، وليسوا بعلماء.
وقال الضحاك: نزلت في قوم من اليهود فرحوا باجتماع كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ونحن أهل الصلاة والصيام، فأحبوا أن يحمدوا بذلك وليسوا بأهل له.
وقال السدي: كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ففرحوا بذلك وقالوا: نحن على دين إبراهيم، ونحن أهل الصلاة والزكاة، وهم ليسوا كذلك، فأحبوا أن يزكوا أنفسهم بما لم يفعلوا.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: هم أهل الكتاب حرفوه، وحكموا بمال سفيه وفرحوا بذلك وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أيضاً: أنها نزلت في قوم من اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره ففرحوا بكتمانهم، وطلبوا المحمدة على ما أخبروه به من الكذب فقال { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } وقال قتادة: نزلت في يهود، حين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فزعموا أنهم متبعوه وأخفوا الضلالة، ففعلوا ذلك ليحمدهم الله على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحمدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فأنزل الله الآية.